من المعرف في معظم دول العالم ان الاحزاب تنبع من الشعب وتتبنى كل قضايا الشعب وتدافع عن مصالح الشعب كل الشعب وتصيغ برامجها بناء على تطلعات الشعب وتسعى جاهدة إلى حل مشاكل كل فئات الشعب
وان كانت تلك الفئات ممن لا تؤيدها أو لا تتفق معها بالرأي لأنها تريد ان تكسب ود الشعب وان يكون لها شعبية عريضة ويكتب لها النجاح في عملها السياسي. فهل هذا هو الحال في اليمن؟ سوف أحاول سرد بعض الشواهد دون التحامل على احد ولكنني اردت من هذا المقال تصحيح المسار وتغيير الثقافة الحزبية العقيمة الموجودة في اليمن لعلنا نرفع من امتنا اليمنية وننافس الامم في الرقي والتحضر والعمل البناء.
من هذه الشواهد أن غالبية الأحزاب اليمنية ذات أيديولوجيات مستوردة ولم تنبع من تصورات الشعب الفكرية، وقد قلت هنا غالبيتها ولم اقل كلها كي لا يساء فهم العبارة. بعضها تقليد لما انتشر من احزاب في الدول العربية في حقبة الخمسينات أو الستينات. وبعضها استورد افكارا من خارج الاطار العربي وتعداه إلى دول المعسكر الشرقي آنذاك. هذا يعني أنها في الغالب ليست يمنية الهوى والمنشأ, وبما أنها كذلك فهي ابعد ما تكون عن هموم الوطن والمواطن، بل كان كل هماها نشر أيديولوجيتها وفكرها وكسب مناصرين للفكرة ولم تتبن يوما من الايام قضايا الوطن.
قد يقول قائل ان حزب المؤتمر غير هذه الاحزاب، واقول ان حزب المؤتمر أنشئ ليواجه هذه الاحزاب فقط ولحماية الحاكم ولم يتبن قضايا الوطن بل كان عبئاً على الشعب وظل ينهب مقدرات الوطن ويخدم الاسرة الحاكمة. بل ان غالبية اعضائه من الاحزاب الأخرى أو من المنتفعين من مشايخ القبائل الذين لا هم لهم الا الكسب المادي أو السياسي على حساب الوطن والمواطن مع بعض الوطنيين الشرفاء وهم قلة لم يسمع لهم.
على مدى ثلاثة عقود والشعب يعاني من الظلم والفساد والعبث بالمال العام وغياب القانون ولم يكلف اي حزب نفسه تبني قضية من هذه القضايا الا ما نسمعه من انتقادات في صحفهم والتي كان الهدف منها الكسب السياسي والمادي من الاسرة الحاكمة. فغالبية الاحزاب تعمل من اجل تجنب سخط الاسرة الحاكمة أو كسب ودها من اجل الحصول على مناصب في الدولة أو مال. فعلى سبيل المثال لم نر حزباً من هذه الاحزاب أخرج مظاهرات من اجل نصرة المظلومين والمنهوبين في الحديدة أو لنصرة النازحين في صعدة أو لنصرة المهجرين في الجعاشن أو المظلومين في المحافظات الجنوبية أو واجه العبث بالمال العام أو مصادرة اراضي الدولة والمتاجرة بأراضي الاوقاف, الا بعض الانتقادات في مجالس القات أو في بعض مقالات الصحف، فهل هذا هو دور الاحزاب؟
الشاهد الثاني ان غالبية الاحزاب تأخذ معونات من الدولة وهذا خلاف ما هو معمول به في معظم دول العالم, فالأحزاب لابد ان تعتمد على اعضائها ولا تأخذ من المال العام ولا تمد يدها للخارج . فاخذ معونات من دول اجنبية يعد في معظم دول العالم خيانة عظمى لأن من يأخذ مالا من دول أجنبية سيعمل بأجندة اجنبية وسيمرر لتلك الدولة مصالحها وان كانت ضد مصالح الشعب. أما اخذ معونات من الدولة ومن المال العام فقد عمد النظام للقبول بهذا لكي يذل الاحزاب بهذه المعونات فمن يخرج عن طاعته هدده بقطع تلك المساعدات. بل ان تلك المعونات جعلت الاحزاب تتشرذم وتؤسس مجموعة احزاب اخرى أو ما كان يسمى بالتفريخ لكي تحصل على مساعدات أكبر من المال العام الذي هو ملك الشعب، فهي قد ساهمت بنهب المال العام بطريقة أو بأخرى. وهذا جعل الاحزاب كثيرة حتى أن المواطن لا يستطيع ان يحصيها واسألوا ان شئتم اي مثقف وليس العامي عن عدد الاحزاب وأسمائها، فهل يستطيع اي انسان مستقل ان يعدد الاحزاب اليمنية؟ فقد عمل النظام على افساد العمل السياسي كما افسد الحياة بصفة عامة، فقد جعل الاحزاب ضعيفة متسولة ، تسير دون هدف بعيدة عن الشعب.
اذا كانت هذه هي المشكلة فما الحل؟ أرى ان يعاد صياغة قانون الاحزاب بحيث يحرم على كل حزب اخذ اي مساعدة خارجية واي معونة من الدولة بل يعتمد على اشتراكات أعضائه بما في ذلك المؤتمر الشعبي العام وسنرى بعد ذلك من سيبقى في المؤتمر. وأن لا يسمح لأي مجموعة صغيرة في تأسيس حزب فهذا قد يؤدي إلى مزيد من التشرذم والانشقاقات داخل المجتمع، فمثالا ارى ان يشترط في تأسيس اي حزب بلوغ عدد اعضائه مائة الف شخص كحد أدنى وأن يكون له برنامج وطني يخدم قضايا الوطن وان يكون له مؤسسات تخدم الوطن والمواطن وان يشدد الرقابة على الاموال التي تدخل البلاد للأحزاب والقبائل والهيئات أو الاشخاص وخاصة القادة العسكريين وان توجه كل الاموال التي تقدم كمساعدات إلى صندوق الدولة وان يكون هناك شفافية فيمن قدم المساعدة وكيف أنفقت؟ وأن يشدد الرقابة على من يتولى وظيفة عامة من اخذ هبات من جهات خارجية أو داخلية. فباستقامة العمل السياسي تستقيم امور اليمن أو على الاقل نبدأ نسير في الاتجاه الصحيح.