آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

عن الصحفي الحر كمشروع شهيد

إن تكن صحفياً باليمن فهذا يعني أنك -في نظر بقايا سلطة صالح ومن تبقى معهم متهم مغضوب عليك، حتى يثبت ولاؤك لهم، وحتى يثبت خلوك من شبهة النقد وجريمة المعارضة.

الصحفي الحر والمستقل، ناهيك عن المعارض في هذه البلاد المحتلة من قبل عصابة طالح هو مشروع شهيد أو جريح إن لطف الله به أو سجين في أغلب الأحوال أو مهددا إن واظبت والدته على الدعاء له آناء الليل وأطراف النهار ؛ لأنه ببساطة عدو للمصلحة الوطنية العلياء التي تعني أسرة طالح وبقية العصابة التي تدير السلطة!!

قبل أسبوعين عندما اقترفت مليشيات صالح محرقة الهلوكوست الأخيرة في مدينة تعز، حرص بلاطجة صالح من بعض أفراد الحرس الجمهوري الذين تم غسل أدمغتهم واستئصال الضمير والإنسانية فيهم، حرص هؤلاء وهم يقتلون المعتصمين وينهبون المخيمات ثم يحرقونها بما فيها أن يضرموا النار في فندق يقيم فيه الصحفيون، حتى يرتكبوا الجريمة بعيداً عن عدسات الصحفيين وكاميراتهم، وهذا العمل الإجرامي يضاف إلى السجلات السوداء والمتخمة بانتهاكات بشعة بحق الصحفيين يكشف عن عقلية غبية ومهترئة، فلم يعد الصحفيون في عصر الهواتف المحمولة المزودة بكاميرات عالية الدقة وفي عصر الانترنت الفيسبوك والفضائيات المفتوحة هم الشهود الوحيدون القادرون على توثيق الأحداث ورصدها، بل صار الشخص العادي شريكاً فاعلاً في تغطية الأحداث وتوثيق ما يجري.

لقد برز دور الصحافة والإعلام بشكل كبير خلال مسيرة الثورة الشبابية السلمية في اليمن، بل لقد انتقلت قيادة نقابة الصحفيين وبعض الصحف إلى ساحة التغيير كما نصب الصحفيون خياما لهم في الساحة ورصدوا الثورة الشبابية السلمية وكتبوا عنها من قلب الحدث ولم يكن الصحفيون بمأمن من قنص البلاطجة واعتداءاتهم، فاستشهد اثنان منهم في ساحات التغيير وهم جمال الشرعبي ومحمد الثلاياء، وجرح كثيرون واعتدي على كثيرين وليس الزميل محمد الديلمي مراسل الأشيتدبرس، ولا عبد الحافظ الصمدي المحرر بأخبار اليوم وكذلك حارس صحيفة "الأولى" أول من اعتدي عليهم ولن يكونوا الأخيرين، هناك قائمة طويلة جداً سبقتهم وهناك آخرون سيأتي دورهم.

وقد كان كاتب هذه السطور أحد الضحايا، لكنني أحمد الله أن ما وصلني لم يتجاوز الشتائم والتهديدات، لقد كنت محظوظاً مقارنة بالآخرين.

وقد فاجاني أحدهم في ذات مقيل قائلا بجدية : كم يعطوك بيت الأحمر ؟ فدهشت لانني لا أعرفهم من قريب وليس لي بهم صلة وإنما اكتب ما أقتنع انه الحق فقلت ساخرا : عشرة مليار دولار والبقية ستأتي.!! وكانك لست إنسان لك رايك ولك ضميرك وستحاسب عما تكتب غدا في قبر ضيق بين يدي من لا تخفى عليه خافية ..

للأسف نحن في مجتمع يتغلب فيه سوء الظن على حسن الظن وتتغلب فيه لغة الإتهامات على لغة البراءة ونحن لا ننكر أن هناك من شوه هذه المهنة وتسول بها وصور الصحفي والكاتب للناس على انه مشروع متسول ولكن هل يعني هذا أن نعمم هذا على الكل أليس هذا وسوء الظن التعميم جريمة بحد ذاتها؟!!

في الآونة الأخيرة تمت في النقاط الأمنية خارج العاصمة صنعاء مصادرة الآلاف النسخ من الصحف اليومية كصحيفة "أخبار اليوم" و"الأولى" ومن الصحف الأسبوعية "الناس" و"إيلاف" و"الديار" و"اليقين" وغيرها، حتى اضطرت بعض الصحف إلى إيقاف النسخة الورقية منها والاكتفاء بالنسخة الالكترونية، كما لاحق أفراد من الحرس الجمهوري بعض الصحف فور خروجها من المطبعة وقاموا بمصادرة الكمية كاملة كما حدث مع صحيفة إيلاف وغيرها.

أما مقر قناة "سهيل" وصحفية "الصحوة" فقد تعرضا لاعتداءات بالأسلحة الثقيلة، ما أدى لوقف بث فضائية سهيل عدة ساعات، ثم عاودت بثها من جديد وبالأمس أطلق بلاطجة صالح بتعز النار على الصحفي صلاح الدكاك فنجا بأعجوبة واصيب آخرين ولا زال الزميل يحي الثلايا مراسل الصحوة بعمران مختطفا لدى قوات الجوية وما يزال ثلاثون إعلاميا في التلفزيون الرسمي المختطف في الرئاسة مهددون بالفصل لتأييدهم للثورة حتى هذه اللحظة رغم كل المناشدات وما يزال صحفيو مؤسسة الثورة بلا بدل إنتاج وبلا مستحقات فمكآفآتهم صرفت للمؤيدين لصالح ولأعداء الثورة والتغيير وأنصار بقايا الطاغية..

وقد خصصت سلطة صالح محكمة للصحافة والنشر جرجرت لدهاليزها عشرات الصحفيين ومنعت بعضهم من الكتابة أو امتلاك الصحف، كما حدث مع الزملاء منير الماوري وسمير جبران وجمال عامر، ولا زال صحيفة "الأيام" الجنوبية مغلقة بعد أن سطت سلطة صالح بقوة السلاح على مقرها بعدن وقتلت حارسها ولفقت لإدارة تحرير الصحيفة تهمة حيازة السلاح، وهي تهمة ملفقة والأسلحة التي تم تصويرها جيء بها على عجل من إحدى المعسكرات القريبة.
أما على صعيد الصحافة الالكترونية قد أغلقت سلطة صالح أهم المواقع الإخبارية المستقلة كموقع "مأرب برس" و"المصدر أون لاين" و"نشوان نيوز" بالإضافة إلى عشرات المواقع والمنتديات التابعة للحراك الجنوبي السلمي.
كما أغلقت مكتب الجزيرة بالشمع الأحمر، بعد أن تم اقتحامه بطريقة همجية ومصادرة جهاز البث المباشر التابع له، وتم ترحيل الزملاء أحمد موفق زيدان وعبد الخالق صداح.

لقد طالعت مؤخرا تقريراً عن الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون باليمن فهالني الأمر، أرقام مخيفة وإحصائيات مفزعة، بينما تكتفي المنظمات الدولية والهيئات المعنية بالرصد والتوثيق وإصدار التقارير وبيانات الاستنكار ومراسلة السلطة ومخاطبتها بالكف عن مضايقة الصحفيين، ليتم تصنيف اليمن على أنها من أكثر البلدان خطراً على الصحفيين، ويتم تصنيف سلطة صالح كعدوه للصحافة والإعلام الحر، ويستمر الوضع على الأرض كما هو عليه حتى نجاح الثورة وتحقق أهدافها كاملة ورحيل بقايا سلطة صالح وقيام الدولة اليمنية الجديدة.

زر الذهاب إلى الأعلى