"نحن بحاجة للتغيير، والتغيير لابد أن يكون مستديما، والاستدامة لن تأتي مالم يتم التذكير بأهداف الثورة، أجيالا بعد أجيال، وتتسلم هذه الأجيال الرايات من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية".
المقولة لعبدالقادر باجمال رئيس الوزراء السابق في حوار أجراه معه رئيس تحرير صحيفة "الثقافية" سمير اليوسفي في سبتمبر 2003.
كان باجمال يتحدث حينها وهو رئيس للوزراء عن الثورة ومفهوم الثورة وأهدافها في ذكراها الحادية والأربعين، حيث تحدث بفلسفة غير معهودة على لسان رئيس وزراء مثقف وممتليء ويبدوا كما لو أنه فيلسوفا.
حينها قال باجمال إن العصبية حين تصبح ذاتية تتمزق الدولة، كما تمزقت الدولة الإسلامية في الأندلس، بعد أن صارت العصبية ليست للدولة، مستندا على مقولة بن خلدون حول أهم متطلبين لوجود الدولة وهما: "العمران والعصبية"، موردا أن مفهوم العصبية عند ابن خلدون أكثر شمولية، وليس فردية.. عصبية للدين والفكر والسياسة وغيرها، بينما العمران هو قيام الدولة والبنى التحتية بالمفهوم المبسط.
منذ ذلك الوقت وباجمال يعلم ماذا يعني حديثه ذاك، وتتجلى الصورة اليوم أمام الجميع بأن العصبية حاليا لم تعد للدولة، بل صارت لفرد، وبالتالي حدث ما حدث اليوم، والأسوأ من هذا هو الترويج لعصبية جديدة تتمثل في فرد آخر اسمه "أحمد علي".
"التغيير لابد أن يكون مستديما إذا"، وإلا فماذا يعني أن يذهب علي ويأتي أحمد، الصورة ستكون مماثلة لثورة 1948 التي أطاحت بالإمام يحي ليأتي إمام آخر اسمه أحمد، لكن الأمر تغير منذ 1962 فثورة سبتمبر في الأساس قامت ضد "أحمد علي" وأشباهه.
لماذا يعتقد "أحمد علي" أن بإمكانه أن يستولي على البلاد بهذه البساطة؟.. ربما هو مسجون ولا يشاهد سوى الفضائية اليمنية التي ترسم له صورة وردية عن البلاد، وأن كل اليمن ستقول له مرحبا بك وسنحملك على كفوف الراحة، وكأن والده أنجز دولة محترمة وهذه مكافأة له.
صورة أحمد تتجلى اليوم في الطوابير الطويلة التي تبحث عن وقود لتسير حياة الناس، وهاهي الصورة مكتملة حين وصل سعر دبة البنزين إلى 9000 ريال في ظل حديث عن أن المنحة السعودية لم تنزل إلى الأسواق بل إلى مخازن المعسكرات.
صورة أحمد على تتجلى في نقطة (قحازة) حيث يتم تفتيش الناس وكأنهم سيدخلون سجنا وليس عاصمة.
صورة أحمد علي تتجلى في أولئك الرجال الذين يخلطون البنزين بالجاز، أو بالماء ويبيعونه بأسعار خيالية.
صورة أحمد علي تتجلى في وجه "عبدالله قيران" الذي جعل مدينة تعز عبارة عن مكب كبير للقمامة والرصاص.
صورة أحمد علي تتجلى في العقاب الحاصل لشعب يموت حرا في المحافظات الساحلية والصحراوية، بينما الوقود في معسكراته مدخر لمجهود حربي يخطط لوقوعه.
صورة أحمد علي تتجلى في المتاريس التي نصبت في شوارع المدن وحول عيشة الناس إلى جحيم.
هاهو أمامكم يشرد الأسر من المدن إلى الأرياف بعمل مفتعل وغير أخلاقي ولا يقوم به سوى قاطع طريق.
صورته تنتصب فوق جثث قتلى ساحة الحرية بتعز بعد أن نفذتها أيادي "قيران"، بأوامر من الشاب الطموح الناتيء كجرح على ظهر البلاد.
أحمد علي لا يمثل هذا الجيل، لأنه ابن أسرة شبعت من دمنا، وشبعنا من قهرها، فلماذا لا يتركون هذا الشعب يختار قدره بدلا من كل هذي المحاولات التي ستبوء بالفشل مهما طال الأمد.
لسنا قدرهم، فلماذا يريدون أن يكونوا آلهة نعبد فسادها.. قهروا أملنا في "مستقبل جديد"، لكننا سنخلق أمل لأجيال ستأتي بدون كل هذه التفاصيل المرهقة للروح.
صارت الصورة أكثر من زائفة، وهم يريدون تجميل الوطن بنظاراتهم، بينما الأرض لأجيال تنبت حية مختلفة، وليست مجرد صورة تتزاحم فيها الأشكال لوجه واحد.
اليوم تنتصب صورة خالد علي عبدالله صالح في النقاط الأمنية إلى جوار شقيقه الأكبر وأبيه، لكن ثلاثية الصورة لم تدم في مصر ولا في العراق ولا في غيرهما.
ليس الأمس ببعيد، حين كان اسم عدي صدام وقصي يرعبان العراق، ثم قتلا بطريقة غير راقية بعد أن عاثوا فسادا في العراق.. ليست الصورة مماثلة كثيرا، لكنها ليست بعيدة عن ما يجري هنا.