آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

أسئلة محرمة

الحوثية لم تطرح نفسها كحزب سياسي مدني، على اعتبار ان الحزب صيغة تنظيم اجتماعي حديثة، تقوم نظريا على مبدأ المواطنين الاحرار. وليس تحاملا إن جرى تعريف الحوثية بوصفها مجموعة دينية وعظية دون وطنية ولا عقلانية، تحركها الاوهام والخرافات والسرديات الكلية، وهي لا تنفتح إلا على قاعدة اجتماعية محدودة تتغذى من موروث تاريخي ضيق ومزيج من المؤثرات الدينية الوافدة والمحدثة.

الحرب اكسبتها طابعا سياسيا ربما. لكن مع الانتفاضة الشعبية الاخيرة، ومع بدء انحلال الروابط والفضاءات ذات البعد الوطني الاوسع، بدأ الكثيرون يهاجرون إلى الروابط والتضامنات دون الوطنية. وانهمكت بلا كلل بعض النخب، ومنها من ينحدر من تيارات يسارية عريقة، في نسج الاواصر مع الحركة الحوثية، وراحت تعمل بشعور من الحنين أو الخوف على اكتشاف نقاط الالتقاء معها في التصورات والمثل. يفعلون ذلك، إما لعوامل تاريخية أو جغرافية أو سلالية، أو لموقف ثقافي شخصي من جماعات وقوى اسلامية أخرى.

من يوم لآخر تختلف نظرة الحوثيين لانفسهم في صعدة وفي خارجها. لكنهم في صنعاء يحاولون الظهور بالمظهر الذي يلائم هذه النخب المتقاربة معهم، ويلائم نظرة هذه النخب للحوثية التي يحلمون بها. وهذا جيد في المحصلة، لكن تظل السردية الاسلامية الزيدية المتحولة هي ركيزتها حتى هذه اللحظة.

لست وحدي من تنبه إلى طور جديد من الحوثية. لكن هل الامور مثلما توحي به المظاهر؟ وهل الفجوة ضيقة بين المعلن والمضمر من المواقف والرؤى والتوجهات؟ هل الحوثية تملك زمام نفسها وتمتلك حق تشكيل هويتها السياسية أم ان الاحداث والازمات اليمنية، كما درجت العادة، هي التي تشكلها من خلال الطريقة التي تتفاعل بها معها؟

ولماذا ينجح المثقفون في بناء الثقة مع اطياف الحوثية في حين يعجزون عن فعل ذلك عندما يتعلق الامر بحزب اسلامي مثل الاصلاح، يحظى بقاعدة اجتماعية اوسع نطاقا ونهج سياسي منفتح حينا ومنغلق حينا آخر، منفتح على مستوى القمة ومنغلق على مستوى القاعدة، منفتح على مستوى الخطاب منغلق ومتحفظ على مستوى الممارسة. حزب كبير امتداده وهمومه وطنية على طريقته طبعا، لكني اتفق مع النقاد بأن فيه من النقائص بقدر تلك التي قد تعتري اي جماعة تحركها من الداخل الايديولوجية الدينية فوق الوطنية أو دون الوطنية؟ هل التصرفات الخشنة، وكنت انا احد ضحاياها، التي ارتكبها عناصر من الاصلاح في اللجان الامنية بصنعاء كافية للحكم على الاصلاح بعدم صلاحيته، ودمغه بالتالي بالارهاب والتخلف بدلا من مساعدته على تخطي عثراته ومواكبة التحول؟

وجد الحوثويون فرصة في الانتفاضة لاظهار الجانب الناعم في حركتهم، وغفر لهم المثقفون والحقوقيون تاريخهم العنيف وتفهموا حملهم السلاح، وهذا جيد، لكن هل هم ناعمون بقدر ما تقول المظاهر، في تلك المناطق التي اخضعوها لنفوذهم ويتمتعون فيها بالتفوق العسكري. كيف نحكم على جماعة أو حزب؟ ما هي الحيثيات التي نستند اليها؟ الجماعات مثل الافراد بامكانها ان تتظاهر بخلاف ما هي عليه، للحكم على الاصلاح نستحضر فتوى الديلمي وتصرفات اليدومي في الامن الوطني، لكن هذه الطريقة في التفكير تفقد مفعولها عندما يتصل الامر بالحوثية. لماذا؟

ما هي دلالات أن يحصد الحوثيون نجاحا في ما اخفق فيه الاصلاح بخصوص تأسيس علاقة تفاهم براجماتية مع بعض المثقفين من بقايا اليسار بالذات؟

في ظني ليست الخشية من تدخل الاصلاح في الحياة الخاصة للشخص وفرض نمط أخلاقي وسلوكي معين، كافية لتفسر هذه الحالة، ثمة ما هو ابعد بكثير، والمسألة تحتاج بحث ونقاش اوسع.

هل يعاني الحوثيون من ازدواج واعي في الهوية وتعدد في الشخصية؟ أم ان المثقفين هم من يعانون ذلك؟ وهل حوثيو صنعاء حوثيون بما يكفي؟ اريد فهم ما اذا كانت الصورة التي يحملها الحوثيون عن انفسهم تنسجم مع الصورة التي يطورها لهم حوثيون موالون في صنعاء.

بقي السؤال الاخير: أن يكون المرء اصلاحيا وفهمنا، لكن ما معنى أن يكون المرء حوثيا؟

زر الذهاب إلى الأعلى