آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الثورة - المستقبل.. واو العطف!

الثورة هي حلٌّ استثنائي لشعبٍ استكان وخضع وقصّر في أداء النصيحة والمشورة والمراقبة حتى زاد الغبن واختلّ الميزان واستقوتْ آلة التدهور فلجأ الناس لفعلٍ اضطراريٍ كبيرٍ بحجم ثورة.

وفي حالٍ كهذه؛ يتوجّب تغييرُ الثقافة التي صنعت التواطؤ والاستكانة، إلى جانب إزالة مصدر الظلم، وإلا ستكون حياتنا سلسلة لا تنتهي من الظلم، والاستكانه له، ثم الثورة عليه.

راقبْ آيات الله في كتابه.. المسؤولية جماعية. وتخص كلّاً بمفرده. وجُلُّ الناس تواطأوا مع الفساد والإهمال والاختلاس، والآن ندفع الثمن جميعا.. الظالم والمظلوم والمتفرج من بعيد.. وكلُّهم ظلَمَ نفسه.

حريٌّ بأفراد الثورة أن يكونوا على قدر كبير من التواضع وأن يمعنوا النظر في مزاج البيئة التي يخاطبونها، وألا يمارسوا على غيرهم استعلاء أو استغناء، بل عليهم تَمثُّلُ أخلاق الفارس النبيل الرؤوف بأهله الموغلين في الخطأ.

لقد أذِنَ الله جلّ جلاله لهذه السلطة أن تنتهي، ليس بسبب قوة المجموع الثائر عليها بل بفعل ما ارتكبته هي من آثام لا يصمد معها سلطان ولا يدوم بمعيتها حُكم.. من هنا فإن التحدي الذي يفرض نفسه على أذهان القوى الخيرة والمستنيرة ليس إسقاط بقايا النظام فهذا مسألة وقت؛ (وها نحن ننفق المزيد من الوقت مقابل القليل من التضحيات)؛ بل التحدي الأهم هو كيفية إعادة تأهيل اليمن وترميم القلوب وبلورة المشروع الوطني الجامع الذي ينضوي في مجاله الجميع، ونضمن به عدم تكرار التوهان الذي أوصلنا لحالة الضياع والفساد ثم الثورة.. أمامنا الكثير والكثير والكثير.. ولعل السهل هو ما قمنا به إلى الآن، وهو الهتاف في الشوارع والمبيت فيها لأشهر.

وهنا أود لفت الانتباه إلى نقطة حَريّةٍ بالتأمل؛ وهي أن التجارب والأمثال تقول أن الهدم أسهل من البناء، لكن الحال في اليمن كان مختلفا لمن هو مطلع على سيناريو التدهور.. أقول: لقد بذلت معاولُ الهدم مجهودا كبيرا وجبارا وطويلا حتى وصلت البلاد إلى ما وصلت إليه.. لم يكن سهلا تدمير البلاد، وسيكون ممتعا ومجيدا ورائعا إعادة بنائها مهما عظُمَ المجهود. فقط يتطلب الأمر عشرات من المخلصين الذين ينذرون حياتهم لشعبهم الشهم المفاجئ.

الآلاف يستطيعون تقديم صدورهم العارية وأرواحهم الغالية؛ لكن اليمن عما قريب يحتاج لعشرات فقط.. يُخلصون نواياهم، ويعصرون أذهانهم، ويجودون بأوقاتهم وأعصابهم لإحياء هذا الوطن العزيز، ثم يموتون موتة الأتقياء الأخفياء "الذين إذا حضروا لم يُعرفوا، وإذا غابوا لم يُفتقدوا، قلوبُهم مصابيحُ الهدى، ينجون من كل غبراء مظلمة".

زر الذهاب إلى الأعلى