قال الدكتور/ أبوبكر القربي -وزير الخارجية- إن الرئيس صالح لن يتخلى عن السلطة إلا عن طريق صناديق الانتخابات، وأضاف "البلاد ستنزلق إلى حرب أهلية إذا أجبر الرئيس على ذلك" (ترك السلطة بدون انتخابات).. المفردات التي وردت في تصريح الوزير تحمل معنى أن الرئيس سيكون مرشحاً في الانتخابات التي عناها الوزير، فهل قصد الوزير ذلك؟!
واضح أن تصريح الوزير يوحي أيضاً أن الرئيس واثق من الفوز كالعادة!.. ولكن بعد كثرة الحديث عن احتمالات صوملة اليمن بسبب تشبث الرئيس بالسلطة، لعل الوزير وقد صار يتحدث عن الحرب الأهلية، يتمنى لو أن الرئيس لم يترشح قط أو أنه لم يصل إلى الرئاسة أبداً، لكن الدكتور/ القربي مثل كثيرين في المؤتمر لا يستطيع سوى استخدام لغة خشبية،عند الحديث عما يجب على الرئيس فعله من أجل اليمن، ولا أذكر أنني قد سمعت كلمات مثل "تنحي" وردت على لسان أحد منهم مهما أدركوا أن ذلك في مصلحة اليمن ومصلحة الرئيس نفسه..
وبالتأكيد فإن الوزير لا يجهل أن صندوق الانتخابات في عالم الرؤساء العرب يعني شيئاً واحداً فقط وهو بقاء الحاكم إلى الأبد وبأي ثمن، وفي السنوات الأخيرة لم يكتف الرؤساء بالتأبيد، بل أضافوا إليه التوريث أيضاً!
في 2005 أعلن الرئيس عدم رغبته في الترشيح.. وكنت ممن تعامل مع الفكرة برغبة وجد وساورتني أحلام تتعلق بازدهار مستقبل العرب وانبلاج فجرهم الجديد من اليمن على يد قائد كبير، يضاهي عظماء العالم أمثال جورج واشنطن.. ويبدو أنه لم يشاطرني تلك الأحلام الكبيرة الساذجة المستحيلة في دنيا عرب الزمان إلا قلة، وقد سخر غالبية الناس من إعلان الرئيس كل بطريقته.. وفيما أظهرت المعارضة قلة اكتراث وصرح كثير منهم بالتشكيك منذ البداية، جنح الموالون إلى حشد المسيرات الهادفة إلى "إقناع الرئيس بالعدول عن قراره الحكيم بعدم الترشيح" على حد تعبير نكتة ذمارية ..
لاحقاً أعلن الرئيس النزول عند "رغبة الجماهير" في ميدان السبعين، وكنا يومذاك نحن قادة المؤتمر وكوادره بانتظاره في مدينة الثورة الرياضية، وقبل أن ينهض الرئيس متحدثاً تحولت منصة الخطابة في إستاد مدينة الثورة إلى مبكى تناوب عليه كثيرون رجال ونساء، ومنهم رؤساء جامعات قال أحدهم بصوت تخنقه العبرات لمن تتركنا؟.
مقارنة بما يكرره الرئيس كثيراً عن قصة وصوله إلى الرئاسة في 1978 وما اكتنف الأمر من إقدامه البطولي على المنصب وإحجام آخرين وخوفهم من تولي الرئاسة، وما يعنيه كلامه اليوم إنه لم يجد أيادي أمينة ليسلم لها الحكم، لأول مرة وربما آخر مرة، شعرت إن الرئيس يظهر احتراماً للناس أكثر من احترام البعض لأنفسهم وهو يقول في مدينة الثورة الرياضية في 2006 : هناك كفاءات وقدرات وطنية كثيرة قادرة على تحمل المسؤولية (يقصد رئاسة الجمهورية).. واحترمت كلام الرئيس أكثر من كل المتحدثين وهو يقول: "أصبنا وأخطأنا ونرجو الصفح والمسامحة"..
لا يوجد حاكم عربي إلى الآن تعامل مع صندوق الإنتخابات بجدية ومصداقية، أما الرئيس صالح، فعلى كثرة حديثه عن صناديق الانتخابات، فهو أقلهم اكتراثاً بتلك الصناديق.. وإلى الآن لا يستطيع أي من أبناء الجمهورية اليمنية الوصول إلى كرسي الرئاسة، كائن من كان، في ظل استمرار استحواذ و سيطرة أبناء صالح وأقاربه على قوات الأمن والجيش بالطريقة التي نعرفها جميعاً ولا مثيل لها في العالم ولا في التاريخ على حد علمي.. وندرك أن الإصرار الغريب على ذلك النوع من الاستحواذ هو ما قد يقود إلى كل أنواع الكوارث المتخيلة وغير المتخيلة ومنها الحروب والتفكك والتشرذم وضياع بلد وأمة كريمة تستحق تدابير أفضل وقادة أجدر، يهيئون لها مصيراً ومستقبلاً غير الحرب الأهلية..
في شهر فبراير كتبت مقالاً بعنوان "أجندة رئاسية حتى 2013" تضمن مقترحات منها إعادة هيكلة الجيش والأمن على أسس وطنية وليس اعتبارات شخصية وعائلية كما هو الحال.. وبالتأكيد فإن كثيرين لو لمسوا جدية وحسن نية في إعادة بناء المؤسسة العسكرية على أسس وطنية لآثروا المزيد من الصبر والتأني حتى يحدث التغيير في 2013.. غير أن استمرار الاستحواذ على المؤسسة العسكرية بالشكل الحالي سيجعل التحاكم إلى صندوق الانتخابات غير ذي معنى وإمكانية التغيير مستحيلة حتى في 2013، مع أن أوضاع اليمن ومجرد بقائها دولة وشعب وجغرافيا لا تحتمل سوى التغيير الشامل والعاجل..
ساعة كتابة هذا سمعت أن الرئيس يتحدث عن المبادرة الخليجية كأساس للحل، ويطلب التهدئة من الجميع.. حسناً سيادة الرئيس، لكن نأمل أن لا نسمع مجدداً " قابلوا التحدي بالتحدي" ولا حكاية صناديق الانتخابات مقابل الحرب الأهلية يا معالي الوزير ..