لا أفهم جدوى تحويل اليمن إلى صومال آخر في المنطقة، وعند ذلك لنتخيل البحر العربي، وباب المندب، وحركة السياسة والاقتصاد، وهموم المنطقة برمتها، فالصومال العزيز، أنتج إضافة إلى المجاعة، جيش القراصنة، الذين ينافسون قراصنة الدول الكبرى، وبكل الأحوال هم أنتجوا فلسفة مرعبة، مفادها أن اللا قانون واللا نظام، يجعل من كل مجموعة صغيرة دولة مستقلة، تستطيع أن تصنع علمها ونشيدها الوطني، وأيضا المفتي وبقية متممات هذه المرحلة التي تعج بما يعني استحالة الاستقرار.
ليس صحيحاً أن أمريكا انتصرت في الصومال، وإذا كانت فكرة أشباه الدول قد لامست العقل الأمريكي ذات يوم، فإن العكس هو المفيد، فالدولة بحد ذاتها بمقوماتها، حتى عندما تكون بكل ما فيها معادية للأمريكان-هذا إن وجدت- فهي عمليا أفضل للأمريكان من شبه الدولة، لأنه في حالة تعامل أي قوة مع أي قوة معادية بالسياسة والفكر وغيره، فإن لكل أنواع العداوات خطوطاً حمراء، وظل التاريخ يصنع بين الدول المعادية لبعضها هدنة زمنية، أو سياسية، أو هدنة مصالح، بينما في مرحلة أشباه الدول، فالحاجة إلى القانون أولاً هو الذي يضبط شكل الحياة وشكل العداء والصراع وغير ذلك.
فالصومال بمفرده، يستطيع أن ينتج ألف دولة، وكل مجموعة صغيرة أو كبيرة يمكنها أن تصنع أزمة في مستقبل لا تنفع فيه الأزمات، لأن زمن تصدير الأزمات من خلال الحروب لم يعد مفيداً، فالشعوب المهزومة تجاوزت منطق العبودية، وفي أسوأ أحوال حركة الشعوب، هناك حركة غير معادية بالأصل للدول المستعمرة، وهي ما تتجلى يومياً في رعب المهاجرين الذين اقتحموا جدار أوروبا، بحثا عن الحياة، التي أتلفها الغرب بعمومه في بلادهم الأصلية، في صورة إنسانية بالغة القيمة، تعيد الشعوب من خلال حركتها وتجوالها أو هروبها من جحيم الموت إعادة إنتاج نفسها على قاعدة الهم الإنساني، الذي بعمومه يتحول إلى جامع ومحرك لهموم الناس ومعاناتهم.
في اليمن، هذا البلد العربي، الأصيل، الذي نحن كعرب كان أجدادنا فيه ذات يوم، وعندما انفجر سد مأرب غادرنا إلى بقاع الأرض بحثا عن الحياة، لأن سد مأرب كان يعني الأمان بالنسبة لنا في تلك الحقبة الغابرة، وهي المعادلة ذاتها، لكن هذا الزمن، لا يستوعب رحيلاً جديداً، لأن الأرض ضيقة ومليئة بالصراعات، والأحقاد والمشاكل التي تفوق هم أصحاب البلاد، ولكنها اليمن أيضاً، التي يمكن أن تكون صومال آخر، وفوضى تنذر بدم عربي على مساحة الجغرافيا العربية المجاورة والبعيدة، وإذا وقعت هذه الكارثة، فليس هناك من يستطيع أن يعيد اليمن إلى ما كان عليه، وليس هناك من يمنع قيام منطقة غير مستقرة، لا تملك كل جيوش المنطقة القدرة على إعادة صنع الاستقرار فيها، تماما كما هي الصومال، التي لا نستطيع بجيوش العرب ولا جيوش إفريقيا ولا كل الانتخابات التي ستجري أن نعيدها إلى منطق الاستقرار، الضامن الوحيد والمفيد لأحباب الصومال وأعداء الصومال أيضا.
في الصومال أنت تتعامل مع مجموعة من الأشباح استوحشوا، ومسألة إعادة تأهيلهم تحتاج جهد أمة بأكملها، والمشكلة الأكبر، أن معظم ما تنتجه الفوضى، هو حالة عدم الخوف، وبالتالي فأنت أمام عالم مرعب على قلة حجمه، ولكنه لا يخاف من الموت، وهنا أيضا تكتمل الصورة، فالدولة تعني بكل مساوئها الحصن الذي تقف الناس وراءه بخيرهم وشرهم، وانعدامها يعني أن قانون الغاب، الذي كنا نسمع عنه، بات موجوداً مع أن الدول الحديثة لم تعش قانون الغاب بالعموم، باستثناء عصابة الزعيم والتي بوجودها استمرت الدولة، لأنها شكلت رعباً لما وراءها.
الأجندة العربية في اليمن هي إسرائيلية بامتياز، لأن إسرائيل وحدها فقط، من يؤمن بنظرية تفكيك الدولة في العالم العربي، فالمشكلة اليمنية ليست بانهيار سد مأرب، لأنه لا يزال موجوداً، والماء الذي فيه يكفي مختلف القبائل.
' كاتب فلسطيني