الوطن.. أي وطن يا هؤلاء انتم تتحدثون عنه.. لقد قتلتم في نفوسنا ما لهذه الكلمة من وقع ومعنى.. أيها العابثون لقد سرقتم أحلامنا، وأجهضتم آمالنا، وخنقتم عبراتنا، وصادرتم مشاعرنا، وأسلتم دموع قلوبنا ألماً وحسرة على هذا الوطن. استبحتم فيه كل محرم، عثتم فيه بفسادكم وجهلكم وطيشكم ورعونتكم، خنقتم فيه خيوط الفجر في رحم الليالي، ورحتم ترجمون الضوء فيه، وأضعتم هيبتنا فيه عبر تنصيبكم للطغيان سلطاناً.
أيها العابثون الفاسدون الجاهلون الحمقى.. نريد وطناً غير ما تريدون !! نريده وطناً تعشوشب فيه أحلامنا الجميلة الصافية ، تترعرع فيه آمالنا، نغزل عمرنا فيه من ضوء المشاعر ، نشوة الفجر وفرحته تعانق فيه أفراحنا.. نكفن أعيننا بضوء رحيق فجره، وأغنيات النوارس تصدح في أرجائه ، ولا يموت فيه الغناء من فم العصافير، ولا تأكل شطآنه الخضراء الأفاعي ،ولا تسكنه الرمم ولا تباع فيه جهاراً الذمم.
نريد وطناً نلتمس بين يديه اليقين كلما اشتدت رياح الشك ، لا تغيب عن عينيه خيوط الشمس، يكون كنزاً للحالمين الحيارى والضائعين ، نراه في قلوبنا بأنه من حسنه يضاهي كل بلاد العالمين ، يعاودنا الشجن إليه، مهما هجرناه في شوقٍ يلاقينا، كسرة الخبز فيه بالإخلاص تشبعنا، وقطرة الماء بالإيمان تروينا، يسكننا في كل جزءٍ من حنايانا ، يورق في نفوسنا كلما عصفت بأيامنا المحن. وطناً يحميه الوفاء والصدق والمحبة، تحميه أخوتنا ومواطنتنا المتساوية وفرصنا المتكافئة، وطناً يمنحنا الخلوة الشاعرية، والذكريات الشجية، وصفاء اللحظات الجميلة التي نقتنصها بين الفينة والأخرى.
وطناً لا تكونوا أنتم فيه بفسادكم وطغيانكم واستبدادكم وظلمكم، لا نخشى فيه من دسائسكم وخبث مؤامراتكم ، وكيد مكركم، وطناً نبتسم في وجهه .. ولا يقتلنا في لحظة غفلة أو وقفة صمت.
نريد وطناً لا نخدر فيه بالضلال والأماني الكاذبات، والزعيم الملهم وفارس السراب والخديعة والخيال، ولا يلطخ بخطاياكم، لا تحكمه المدافع والصواريخ والطائرات ورصاص الغدر والخفافيش زوار الليل وشراء الذمم، وطناً تحكمه القوانين والأنظمة والمؤسسات على قاعدة المواطنة المتساوية والحقوق والواجبات، ولا يحكمنا فيه باعة الأوهام الذين يدبجون لنا الأماني الكاذبات والسراب الخادع ليصدموننا بواقع بائس، وطناً لا نجري فيه كالقطيع وخلفنا ذئب الغنم، نريده وطناً نُسكنه عيوننا ولا يسكننا سراديب الندم كما تريدون، ولا يحملنا زمان القهر فيه من هم لهم، نحطم فيه الأصنام التي صنعتم وينتهي منه زمان نخاستكم.
نريد وطناً ينتهي فيه سفرُ قتلكم وإرهابكم ودجلكم واستمرائكم لتمزيق نسيجنا الاجتماعي، وطناً ينساب من بين جوانبه ضوءً نلمحه كنهر من الأشواق في أعماقنا يستعر، لا ينكسر فيه الحلم، ولا يحكمه الطيش والجهل والحقد ونزعة الانتقام.
نريد وطناً نحلق في سماء أحلامه ، نتوه في أفيائه توهاناً كله طهارة ونقاء، لا مكراً وكيداً وسفاهة وخبث طوية، وطناً ترتشف تربته انهاراً من دمائنا، ونسقي روحه من عصارة أرواحنا، نحلم به وطناً يحتضننا بفجره الناعم الندي الطري الملمس، تداعب نسائم فجره صفحات خدودنا المتعبة لتعيد إليها روح ألقها، وصفاء رونقها.
تريدون.. وتباً لما تريدون.. تريدون لنا وطناً يداهمنا بخطوبه، ويسقينا من كؤوس عنائه، تقودوننا فيه إلى أقبية الضياع، ودهاليز الحرمان، ومقابر الموت.. فبعداً لكم ولما تريدون، كم سكرتم من دماء الكادحين، واغتصبتم طهر أرضي على مر السنين، واستبحتم أرضنا نهباً لكل الغاصبين.
نريده وطناً ننعم فيه بالإخوة والأمان، نرتشف من رحيق عطائه أسمى معاني الوطنية والولاء لترابه، واحة غناءً من السعادة والحرية والهناء والاعتزاز، لا تقتل فيه قدراتنا ، تنبثق في كل جوانبه صور مشرقة لإبداعاتنا، حياتنا فيه أقرب إلى نعيم الجنان، تحلق فيه آمالنا إلى آماد المستحيل، وطناً لا تكبل فيه الكلمات حزناً في أفواهنا، يرد كيد الغاصبين، لا يستكين ولا يلين أمام كل المعتدين، ولا يبخل علينا بمأوى أو سكن وأخر عمرنا يبخل علينا بالكفن، ولا يبخل علينا بقبر يحتوينا في ترابه، نريده وطناً لا تموت في فم سواقيه وشلالته النغم، ولا تنتحر أغانيه الجميلة، وأحلامه السكرى أمام غثائكم أيها العابثون الرمم.
نريد وطناً تتحطم فيه ما شيدتم من أوكار القهر، وطناً خالٍ من اللقطاء والجوعى خالٍِ من كل دجالٍ وجلادٍ وفاجر، وطناً تنبت في جنباته صور العفة والطهر وتدفن فيه أزمنة الفساد إلى غير رجعة..
يا هؤلاء..
ميعادنا آتٍ وضوء الصبح قادمْ
وبسمة الأطفال تسبقنا ..
رغم المواجع والمآتمْ
غايتنا استعادة وطن بعتم الأرض والإنسان فيه بأبخس الأثمان.. وأحلاماً صلبتموها جهراً في سماء الوطن.
سحقاً لكم.. أفيقوا.. إنه اليمن.