(1)
الحاكم العربي مسكون بالخوف والشك والقلق من كل شيء حوله، لا يريد أن يسمع إلا ما يحب، يريد الهتاف الجماهيري معبرا عن حبهم له، يريد كل وسائل الإعلام أن تتحدث عن محاسنه حتى ولو لم يكن له حسنة واحدة،لا يريد أن يسمع أي وجهة نظر إلا وجهة نظره التي يرددها إعلامه وحاشيته وزبانيته. إنه مقتنع بأنه إنسان منزه عن الأخطاء وأنه معصوم منها وأن شعبه مجموعة من البشر غير الواعين بمجريات الأمور. إنه يريد تعليما يتحدث عن إنجازاته وبطولاته ولا تاريخ لغيره يدرس في المعاهد والجامعات. إنه يريد إعلاما يظهر صورته في كل خبر حتى ولو كان حادث انقلاب قطار في الهند.الجزيرة كسرت كل الثقافة الإعلامية الرسمية وانحازت للأمة وهمومها ومن هنا كان الحاكم العربي معاديا شاكا قلقا من شاشة الجزيرة لأنها لم تمتدح حاكما منذ التأسيس فعادتها فضح كل النظم التي تضطهد شعوبها وتميز بين مكونات الشعب.
(2)
ما دفعني لقول ما ذكرت أعلاه هو ما يثار في وسائل الإعلام البحرينية بشأن فلم وثائقي " صرخات في الظلام " بث على الجزيرة الناطقة باللغة الإنجليزية من تطاول البعض من المشتغلين بالإعلام في مملكة البحرين بالتهجم غير المبرر ليس على المحطة التلفزيونية وإنما خرج ليشمل ذلك التطاول الدولة القطرية وإصدار التهم غير الموثقة كالقول " إن قطر متورطة في محاولة لقلب نظام الحكم في البحرين (الوطن البحرينية) " قناة الجزيرة عميلة لإسرائيل" (جريدة الأيام البحرينية)، مواقع إلكترونية محسوبة على حكومة البحرين أوردت القول " إن موقف قطر وشعبها لا يريد الخير للبحرين ".
السؤال الذي يطرح نفسه ما هي الفائدة التي ستجنيها دولة قطر من إسقاط النظام في مملكة البحرين إذا افترضنا صحة ذلك القول ؟ ما وجه العمالة لإسرائيل من بث فلم وثائقي عن مملكة البحرين صور وقائع حدثت على أرض البحرين من الشعب البحريني. ولماذا حكومة قطر وشعبها لا يريدان الخير للبحرين؟ علما بأن الأسر في كل من الدولتين متداخلة ينسب بعضها لبعض، وفي شأن العمالة لإسرائيل، هل ترقى عمالة الجزيرة لإسرائيل إلى درجة دعوة وزير خارجية البحرين إلى إشراك إسرائيل في الترتيبات الأمنية في المنطقة؟ ألم يعتبر وزير خارجية البحرين أن الصراع مع إسرائيل جزء من الماضي يجب تجاوزه؟ وهنا تنتفي العمالة لها لأننا أصبحنا خوش بوش ولا بد من نسيان الماضي. لا أريد أن أنكأ الجراح في شأن الخليج وإسرائيل.
(3)
تقول مصادر فضائية الجزيرة الناطقة باللغة الإنجليزية في شأن فلمها الوثائقي عن البحرين. المسؤولون في البحرين منعوا دخول صحافيي الجزيرة ومصوريها إلى البحرين ورفضوا التعليق على البرنامج قبل بثه، ومنعوا من مقابلة أي مسؤول بحريني. تقول مصادر الجزيرة إن الفلم صور في المستشفيات والشوارع، وصورت المظاهرات المؤيدة للنظام والمعارضة له بطرق ومصادر مختلفة ولا أحد يستطيع الطعن في صور الأحداث، وكذلك نقلت تصريحات المسؤولين البحرينيين وتصريحات أخرى صادرة عن دول عربية وأجنبية حول أوضاع البحرين. والسؤال لماذا يمتنع المسؤول الخليجي عن مقابلة أي وسيلة إعلام عربية مستقلة في الأزمات كما هو حادث في البحرين؟ لماذا يكون عند الحاكم العربي حساسية من الإعلام العربي بينما وسائل الإعلام الأجنبية تصور حكامنا في أبشع الصور وأقذر التعليقات ولا احتجاج ولا عتب على تلك الوسائل الإعلامية الأجنبية!!
والرأي عندي أن الحاكم الذي يهتز كرسيه من مقالة في صحيفة تنتقد إدارته لدولته ومعاملته لشعبه،أو فلم موثق بالصوت والصورة عن سلوكه السياسي وتاريخ نظامه وتعاطيه مع الأحداث في الداخل والخارج فإنه بلا جدال ليس جديرا بأن يكون حاكما. إن الحاكم العاقل من يتبنى قول السلف الصالح " رحم الله من أهدى إلي عيوبي " إن الحاكم الصالح هو الذي يحقق العدالة والمساواة بين أفراد الشعب.
آخر القول: حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر بن الخطاب. فهل يعتبر حكامنا من أفعال السلف الصادقين المخلصين؟!