( 1 ) بدعوة كريمة من سمو الامير تركي بن طلال بن عبد العزيز ال سعود شاركت في منتداه الرمضاني الذي يرتاده مجموعة من اصحاب السمو الامراء واهل الفكر والقلم ونخبة من كبار موظفي الدولة عسكريين ومدنيين كان اكبر الحاضرين سنا ومقاما سمو الامير طلال بن عبد العزيز.
كان سمو الامير تركي صاحب المجلس قد استمع لمداخلة لي حول السياسة الخارجية السعودية في منتدى مهرجان الجنادرية الثقافي في نيسان/ابريل الماضي ودعاني مدير مكتبه بموجب توجيه من سموه للمشاركة في منتدى الامير تركي ووافقت على الدعوة وتقرر موعدها في الاسبوع الاول من رمضان.
( 2 )
قدمت في هذه الندوة قراءة نقدية للسياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية تضمنت اربعة محاور 'الدولي، والاقليمي، والعربي، ومنظومة الامم المتحدة' ما يهم القارىء العربي في هذا الشأن في تقديري هو الجانب العربي، والحق انني تحدثت بكل حرية في شأن الدبلوماسية السعودية في الفترة الواقعة 1990 2011 وهي السنوات العجاف التي مرت بالامة العربية في جميع المجالات.
ان الدبلوماسية السعودية اخفقت في كل قضايانا العربية في الفترة المشار اليها الامر الذي جعلها عرضة للنقد الشديد البعض حاقدا والبعض شامتا والبعض محرضا وقليل منهم مدافعا لكن تلك الدبلوماسية السعودية كانت وما برحت في دائرة الضوء الساطع .
( 3 )
عندما انتهيت من حديثي الذي استمر 40 دقيقة فتح باب النقاش الذي استمر لاكثر من ساعتين. اعترف انه كان نقاشا حادا في صراحته ولغته. احد المتدخلين مع الاحتفاظ بالاسماء قال: 'انني لم اقدم اي ايجابية للسياسة الخارجية السعودية وركزت على السلبيات، قلت: ذكرت بعض الايجابيات وركزت على السلبيات، الايجابيات تتحدث عن نفسها وليس دور الباحث دائما الحديث عن ايجابيات النظام السياسي في اي دولة، مهمة الباحث ان يوضح السلبيات ونقاط الضعف فلعل صانع القرار يستفيد من اراء الباحثين.
الخلق لا يتحدثون عن الشمس والقمر لكنهم يتحدثون باسهاب عن ظاهرة كسوف الشمس والخسوف القمر لانها ظواهر تحدث عندما تختل حركة الكواكب كشأن الدبلوماسية تختل في اوقات الازمات. اما الشأن اليمني فراح احد الاصدقاء يسهب في توصيف 'المعضلة اليمنية' وقال انه صراع بين ابناء عبدالله بن الاحمر وعلي عبد الله صالح على السلطة والمصالح وان هناك تدخلات إيرانية تدعم الحوثيين.
كان ردي ان الامر ليس كذلك فالمسألة اليمنية تكمن في فشل علي عبد الله صالح في اقامة الدولة على اسس حديثة، وفشل في خلق تنمية وطنية، وعم الظلم واستشرى الفساد في كل مفاصل دولته القبلية لاكثر من ثلاثين عاما، لم يحسن ترسيخ فكرة الوحدة بين الشمال والجنوب وتعامل مع الشطر الجنوبي كغنيمة حرب وهب الارض والجاه والمكان لاقربائه والمحسوبين عليه، وتشير كل الدراسات انه لا وجود ماديا لإيران في اليمن، لقد ضاعت كل هبات الدول المانحة وانتهت في الجيوب والبعض صرف لتمويل تدريب 'البلطجية' وزمرة النظام تحت الادعاء بمحاربة القاعدة.
(4 )
لم يعجب حديثي عن السياسة الخارجية السعودية في القضايا العربية البعض وراح كل يبرر لتلك الدبلوماسية وهنا تساءلت، لو كانت الدبلوماسية السعودية جادة وواضحة اهدافها ونابعة من مصالح المملكة هل سيحدث للعراق ما حدث من حرب وحصار واحتلال؟ الحدود السعودية العراقية اغلقت في وجه اي مدد يقدم للمقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي للعراق بينما الحدود مع إيران 1300 كيلومتر طولا مفتوحة الامر الذي ادى إلى تكريس الهيمنة الإيرانية على كل مفاصل الدولة العراقية وهنا نقول ربحت السياسة الإيرانية في العراق بوجهيها الدبلوماسي والاستراتيجي ولم تربح السياسة السعودية . لم يكن النقاش في الشأن البحريني واللبناني سهلا، كان رأيي في كل القضايا التي طرحت انه عندما يقسم النظام السياسي في الدولة المواطنين إلى فئات ويتعامل مع كل فئة حسب منظوره الشخصي والامني فان ذلك يقود المجتمع إلى التفكك والتحزب والاستعانة بالغير لتحقيق مطالب اي فئة.
المواطنة هي اخر عامل يفكر بعض حكامنا في امرها. لو كانت المواطنة هي محور الاهتمام السياسي للحاكم مصحوبة بحقوقها التاريخية التي تقرها الاديان والدساتير لما اختل توازن مجتمعاتنا العربية والخليجية على وجه التحديد.
المواطن يريد مساواة في الحقوق والواجبات، ان الدبلوماسية الامنية التي سيطرت على احداث اليمن والبحرين لم تكن موفقة ولن تؤدي إلى استقرار في قادم الايام ان المسألة مسألة عدالة مفقودة ومساواة ناقصة وهنا لا اتحدث عن شيعة وسنة في البحرين ولكني اتحدث عن مواطن بحريني بصرف النظر عن فقهه الذي يتبعه.
في تقديري ان الدبلوماسية السعودية كانت رخوة تجاه لبنان منذ عام 1982 وحتى اليوم الامر الذي ادى إلى بروز قوى اخرى تلعب ادوارا في الساحة اللبنانية . النتيجة خسائر متلاحقة للدبلوماسية السعودية فهل يمكن تعويضها واستعادة ادوارها الفاعلة والبناءة في المستقبل المنظور؟!