انتهازيون، قطاع طرق، لصوص سرقوا الثورة، منتفعون، من مخلفات الماركسية، تجار حروب، بينهم «طالبان» و «القاعدة» والسلفيون، عديمو التفكير وأصحاب أمراض مزمنة، يشوّهون الإسلام.
هؤلاء جميعاً هم ببساطة المعارضون للرئيس اليمني علي عبدالله صالح، الذي ما ان سُرِّبت أنباء عن رضوخه أخيراً لضغوط بعضها غربي أميركي تحديداً، لنقل السلطة حتى اختار ان يبشِّر أنصاره بعودته قريباً إلى صنعاء من رحلة العلاج في السعودية.
يعلن أنه زاهد بالسلطة غير متشبث بها، لكن «قصفه» العشوائي على كل تيارات المعارضة في اليمن، وهو لم يزل بعد في الخارج، يستفز الذين لمسوا قبل أيام بوادر «تواضع» لدى الرئيس بعدما نجا بأعجوبة من الموت، إثر تفجير جامع الرئاسة، وبعدما خضع لجراحات عديدة.
الرئيس «الزاهد» يعد أنصاره بالعودة لا لخوض انتخابات لتمديد ولايته، بل لإنقاذ «الشرعية الدستورية» من هواة «الانقلابات». ويكاد من يستمع إلى علي صالح يظن أن كل أزمة اليمن لا تتعدى تضليلاً تمارسه المعارضة «التقليدية» مع الشباب، حتى إذا أضاف فعلة المال السياسي الذي «تضخه قوى دولية»، اكتملت ملامح «المؤامرة»: تمويل دولي ل «خطف» الثورة وإطاحة «الشرعية الدستورية». ما الذي يبقى لليمن بلا حكمٍ ولا ثورة؟
وإذا كانت أدبيات الرئيس الخارج بأعجوبة من ركام التفجير، تميط اللثام عن ذلك الحلف العجائبي بين ماركسيين و «طالبان» وسلفيين وناصريين و «إصلاحيين» (من تجمع الإصلاح)، فالحلف ذاته ينتهي بإلحاق «القاعدة» به في زنجبار!
وإلى النقطة صفر، يعود اليمن غير السعيد بما أنجبته شهور مريرة من انشقاقات في صفوف الجيش والقبائل، تكملها مفاجأة التصعيد لدى علي صالح الذي يحشد القبائل بعضها ضد بعض ليطوّق ولادة «مجلس وطني انتقالي»، تأخر ايضاً بفعل ضغوط دولية أميركية خصوصاً، لعل الرئيس يوقع المبادرة الخليجية، ويسلّم السلطة.
الخطاب المسجَّل لعلي صالح الذي سعى إلى إرباك معارضيه مجدداً، قبل ساعات من موعد إعلان المجلس، قطع للمرة الثلاثين ربما، الشك باليقين، لكون مفردات التصعيد تعيد الجميع إلى المربع الأول. ولم يفتقد الرئيس القدرة على زرع بذور مواجهة بين قبيلة حاشد وقبيلة بكيل، بعد كل ما قيل عن بنود «سرية» لتسوية توقِف انهيار اليمن، وانزلاقه إلى حروب أهلية. وإن اعتبر أنصار علي صالح تشكيل «المجلس الانتقالي» بمثابة رصاصة الرحمة التي تطلق على المبادرة الخليجية، فجميع خصومه لا يرون في إصراره مجدداً على رفض «تسليم السلطة للانتهازيين»، وعلى أولوية خيار الانتخابات المبكرة، سوى تمديد لنهج استنزاف المعارضة، ومسعى لدق إسفين بينها وبين شباب الثورة «المغرر بهم».
هكذا يبقى اليمن أسير الخندقين: خندق «الشرعية الدستورية» المثخنة بجروح تفجير جامع الرئاسة، وخندق الشرعية الشعبية كما سمّاها المعارضون حين التحقوا بالثورة، وبعضهم كان لفترات خلت على رأس حلفاء الحكم، مثل التجمع اليمني للإصلاح الذي يعتبر علي صالح اليوم شيوخه وقادته مجرد «ادعياء إسلام».
وإن كان بين اليمنيين من يرى في عبث معمر القذافي وعناده الجنوني مع الحلف الأطلسي والثوار، وفي تمديد حبل الخيار العسكري في الداخل السوري – رغم الخسائر الكارثية – تشجيعاً للرئيس اليمني على الصمود والرهان على الوقت، فإن أحداً في صنعاء أو الخارج لا يمكنه التكهن بعواقب اللعب على وتر مواجهة بين قبائل اليمن، بعد تجريبٍ أولي لخيار شارعٍ بشارع... ورفع سلاح الحرس الجمهوري في وجه من كانوا لسنوات طويلة حماةً للنظام.
جدار الثقة لا يمكن ترميمه مع علي صالح. تلك رؤية المعارضين الذين بدوا قبل شهور مستسلمين لثورة الشارع، علّها تخلصهم من لعبة خاسرة مع نظام أجاد دائماً لعبة تطويع خصومه. هو ينطق اليوم بلغة الحوار، كأنهم وحدهم يتحملون مسؤولية مستنقعات الدم.
وبين «شرعية دستورية» تدّعي الحكمة والعفة، وثورة بريئة «يُغرَّر بها»، وساسة «قطّاع طرق»، يراوح اليمن مكانه... على فوهة بركان الفتنة.