1
لستُ سياسيَّاً بالمعنى الإحترافي للكلمة. ولا حتى بالمعنى الأكاديمي. ولكني أحب الحديثَ في السياسة ، وأميلُ بقوةٍ للتحليل السِّياسي وإنْ لم يكُنْ بتفصيلاتِهِ ، ولكن بتأصيلاتِهِ . فالهندسةُ المعمارية هي حِرفتِي ، وقد أخذتْ جزءاً غيرَ يسيرٍ مِن سنواتي ، فاشترى بها عقلي تقييمَ الأشياءِ في الحياةِ ، وتقويمَ رؤيايَ ، وأرآئي في الإنسان ، والحياةِ ، والكونِ.
2
والعمارةُ ، والهندسةُ المعماريةُ ، تتبنى - تأصيلاً - إيجادَ الحلولِ التي تحترمُ كينونةَ الإنسان ، كمخلوقٍ يجبُ على المهندسِ المعماري أنْ يوفرَ له البيئةَ التي تحترمُ وجودَهُ كإنسان. تلك هي فلسفةُ العمارةِ باختصارٍ شديد. وهي في الأساس تعتمد على صدقِ المعماري في التعاملِ مع أبسطِ مبادئِ العمارةِ بالطَّريقةِ نفسِها التي يتعاملُ بها مع أعقدها. وهي تبدأُ أساساً في التعاملِ مع الفراغِ العام ، وتجريدِهِ ، ومِنْ ثمَّةَ تطويرِهِ إلى كُتَلٍ مُفَرَّغَةٍ ، تُكَيَّفُ تكيِّيفاً عملياً ؛ بحيثُ تصيرُ ، في النِّهايةِ ، فراغاً خاصَّاً ، يسكنُهُ الإنسانُ كريماً.
3
ومن وجهةِ النَّظرِ هذه ، فإنَّ العمارةَ ، والسيَّاسةَ يجتمعان في تكوينِ الوطنِ الصغير للمواطن ، والوطن الكبير لمجموع المواطنين في أي بلدٍ كان. إلَّا أنَّ ما ورثناهُ في السِّياسةِ مِنَ المبادئِ الأساسيَّةِ في الحياةِ العامةِ ، جُلُّها - إنْ لم تكُن كلُّها - فيها الكثير من الخلطِ ، والغَلَطِ ، والنَّقلِ المباشر بدون توطئةٍ وتهيئةٍ وتكييف بتراثنا وديننا وحضارتنا. والتَّاريخُ الإنساني والحضارةُ العالميةُ شراكةٌ بينَ كل البشر قاطبةً. وهما حصيلتا تراكمِ التَّجاربِ ، وخبراتٌ تكامليَّةٌ ، عند الإنسان في كلَّ مكانٍ وزمانٍ. وليسَ يعيبُ الإنسان أنْ يأخذَ مِنْ تجارب الآخرين أو تراثهم الإنساني. إلَّا أنَّ العيبَ في النَّقلِ بغير إختيارٍ يستلزم أنْ يتوافقَ المنقول الحضاري أو التراثي أو التَّجاربي من بيئةٍ ومحيطٍ مختلِفٍ ، مع المعقول من حضارتنا وتراثنا وتجاربنا التي ثَبُتَ صحتها واستقامتها لدينا.
4
وعليه ؛ فإنَّ ماورثناهُ في السِّياسةِ قبلناهُ منقولاً لا معقولاً ، بناءاً على الطرحِ الآنف. وأدبيات السِّياسةِ التي قرأناها ، ونقلناها ، بكلِّ مقاماتِها - بحذافيرِها - فهمناها كما هي بغيرِ معايراتٍ ومُقياساتٍ تتفقُ مع ما نؤمنُ به مِنَ الموروثِ الصحيح الذي ثَبُتتْ صحتُهُ - من دينٍ وحضارةٍ وتاريخ !
5
ويكادُ كلُّ ما أخذناهُ مِنَ المنقُولاتِ في أدبياتِ السِّياسة من الحضارةِ الإنسانيةِ في العالمِ يتركزُ في كتابِ ( الأمير ) لمكيافيلي. والغايةُ تبرِّرُ الوسيلةَ أصبحتْ هي المحورٍ التي تتركزُ عليها حياتُنا السِّياسيةُ بكل مركباتِها ، وتناقضاتها. والحقيقةُ أنَّ ليسَ كلَّ ما ذكره صاحبُنا مكيافيلي يدخلُ في باب الأخطاء أو الأفكار المعزولة عن واقعنا. إلَّا أنَّنا فهمنا السِّياسةَ على أنَّها إمَّا نِفاقاً ، وإمَّا كَذِباً ، أو كليهما.
6
السِّياسةُ هي الصِّدقُ مع النَّفسِ ومع الأخرين حتى لو كانوا خصوماً ناهيك أنْ يكونوا من الواقفين في صفوفك كممثلٍ لهم. والسِّياسةُ هي الصَّراحةُ والإنفتاح على الأخر. بل إني أكادُ أرى أنَّ أفضلَ الأساليب أنْ تتنكَّرَ هي ألَّ تَتَنَكَّرَ ألبتَةَ. فِكِّرْ جيِّداً بتلك العبارة. ستجدها عميقةً !... بقدرِ وضوحك مع الخصم ستجدها قاتلةً.
7
والذي يحدثُ اليوم في بلادنا ، مصدرهُ هو أنَّ كُلَّاً منَّا ، يشكُّ في نوايا الآخر- وإنْ حسُنتْ نوايا الآخر!... إنَّ قضايا الوطن بحاجةٍ إلى سياسيين صادقين من العيار الثَّقيل. وأنا هنا لا أتَّهِمُ الجميعَ ؛ ( والسَّارق براسهْ قُشاشةْ ) !...
8
قضايا الوطن بحاجة إلى بشر تنصَّلُوا مِنَ الأنانيةِ ، والنَّرجسية ؛ اللذين ( يُؤثِرونَ على أنْفٍسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهمْ خَصَاصَةٌ ). أمَا قُلتُ لكم إننا ميكافيليون أكثر من ميكيافيلي نفسه !
إنَّني على قدرٍ كبيرٍ مِنَ التَّفاؤُل بالمظلَّةِ الوطنيةِ التي تسعى إلى لَمْلَمَةِ ما تبعثرَ - وإنْ تأخَّر ولا ضير - وإلى الإنتقالِ خطواتٍ إلى الفعل الثَّوري - وهذا ما أفترضُهُ شخصيَّاً - في الإتجاه الصَّحيح الذي يؤدي في النِّهايةِ ، إلى إسقاط بقايا نظام الفساد الأُسَرِي السَّاقط ... وبداية مرحلة البناء الثَّوري ليمنٍ بغيرِ هذا الرَّجُل النَّاقص في العقل ، والرُّوح ، والجسد.. وبغيرِ بقايا العائلة الفاسدة القاتلة التي لم تُبقِ علينا ، وعلى اليمن ، إلا ما رثَّ ، وخاب !
9
ولَعَلَّهُ كانَ من المفيد ، والصِّدق ، والصَّراحة ، لو تمَّ عَنْوَنَة قضيَّة الجَنُوب ، واستعراضها بشكل أكثر إنفتاحاً ، أو تقديم التَّطمينات والضَّمانات اللَّازمة لذلك. إلَّا أنَّ ذلك ليس مبرِّرَاً كافياً ، وقوياً ، ومقنعاً - على الأقل بالنسبة لي بشخصي - لإشهار الإنسحاب ، من المظلة الثَّورية ، التي ستخرج مِن المطر كما كانت قبل المطر ، وسيأتي الخيرُ ، والنَّصرُ ، والحبُ ، ( وأُخْرَىْ تُحِبُّونَها . نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ )
10
ولستُ لائماً ، أو عاتباً ، على مَنْ سمَّاهُ المجلس ضمنَ أسمائِهِ ، وأعلن إنسحابَه، وإنْ كانَ تشريف ، وتكليفٌ ، في آنٍ واحدٍ معاً ، فوق ما هُمْ عليه من التَّشريف ، والتكليف ، والشَّرف. إلَّا أنَّ الثَّقةَ التي مُنِحَتْ عند ذلك التَّشريف والتَّكليف ، تتفوَّقُ على الإثنين معاً. وقد أعطى كلٌّ مُبرِّراتِهِ التي بنى عليها قرارَهُ. أحترمُ ذلك كثيراً. على إدناه ... فقد كانَ القرارُ مُسَبَّبَاً ومُبرَّراً ، مهما يكُنِ القرار. وإذا قدَّمتَ تبريراً ، وتسبيباً ، لفعلٍ تقومُ به تُجاهَ الآخرين ؛ فهو احترامٌ لهم ، بقدرِ ماهو إعتذارٌ شجاعٌ ، يُحتَرمُ صاحبه.
11
فعلُ البناء الثَّوري الفرنسي ، آنئذٍ ، أخذَ سنواتٍ عجافٍ ، قبل بداية الجمهورية الرَّابِعة !.. والشُّعُوبُ إذا خرجتْ إلى الشوارعِ ، والأزقةِ ، والسَّاحات ؛ فإنَّها لا تعودُ إلا مع الفجر... وبين يديها الشمسُ ، وفي عيون إبنائهِ أملٌ يُبهر ، وفوق ظهورها وطنٌ يُولد ! ولهذا كله سيخرجُ المجلسُ صحيحاً معافىً كبيراً... و ( لو خَرَجْ المُخَّاطْ تِعَافَى الراسْ ) .
وستخرجُ الثَّورةُ منتصرةً وصحيحة ، وستعودُ اليمنُ سعدى كما كانت سعدى ..!
وذلك ما نسيَهُ القاعدون !
والتمِسْ لِأخيكَ عُذراً...
ولن نخسرَ شيئاً ولربَّما كانوا همُ الخاسرون.
وسامحونا!..
حزب البسباس
عبدالكريم عبدالله عبدالوهاب نعمان.
مهندس معماري واستشاري.
فرجينيا - الولايات المتحدة الأمريكية.
21 أغسطس 2011