آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

يسري فودة يكتب عن لقائه بأنور العولقي: لن يتعلموا

صباح أمس الأول، في عمق منطقة «الجوف» شمال اليمن، وهى منطقة تخاف السلطة المركزية من الاقتراب منها، كانت سيارتان تشرعان في الانطلاق من مضارب القبائل. في تلك الأثناء كانت إحداهما تتصل بمسؤول أمنى يمنى مهمته التنسيق مع الأمريكيين كى تؤكد له أن الهدف الصحيح بدأ في التحرك.

أما الهدف فقد كان الشيخ أنور العولقى، الذى ولد وتعلم وعاش وعمل في أمريكا قبل هجرته العكسية إلى بلاد آبائه عام 2003. أما الأمريكيون فقد كان قسم منهم في سفارتهم العتيدة في صنعاء، وقسم آخر في سفينة حربية اقتربت من شاطئ خليج عدن، وعلى متنها مقاتلات من طراز «هاريار». هذه المقاتلات كانت بمثابة الخطة «باء» في عملية خاطفة حملت الاسم الشفرى «العملية تُرُوى».

لم تكن هناك حاجة إلى الخطة «باء»، ففى طريقه إلى صلاة الجمعة مع بعض أصدقائه - ومن بينهم سمير خان وهو أمريكى من أصل باكستانى - لابد أن الشيخ أنور العولقى قد سمع، ولو لنصف ثانية من الزمن، صفيراً غير معتاد لم ير بعده شيئاً على الإطلاق. كانت هذه هى الخطة «ألف»: صاروخ موجه من طائرة صغيرة بلا طيار يتم التحكم فيها من بعد.

أما تلك المنطقة فقد زرتها عام 2002 في إطار بحثى عن تهريب الآثار من الدول العربية، وقد أصر الرئيس على عبدالله صالح، وقتها، على أن يصطحبنى وزير الثقافة، الدكتور عبدالوهاب الروحانى (هو الآن من أقطاب الثورة)، مع قافلة من رجال الأمن المدججين بأسلحة ثقيلة رغم محاولات الوزير المستميتة لإثنائى عن الرحلة. بعد ذلك بنحو عامين عدت مرة أخرى إلى صنعاء، هذه المرة بحثاً عن رجل يقول بائعو الوهم الأمريكيون في «تقرير لجنة الحادى عشر من سبتمبر» إنهم «فشلوا في تحديد موقعه من أجل استجوابه».

كان هذا هو الشيخ أنور العولقى، الذى استطعت أنا بمنتهى السهولة أن أقابله في شارع عريض في عاصمة البلاد في وضح النهار بعلم السلطات التى يعلم الجميع مدى اقترابها من واشنطن. وكان هو لا يرى تهمة يدفعها ولا شرفاً يدعيه في حقيقة أنه كان إماماً لمسجد في سان دييجو في كاليفورنيا كان يتردد عليه نواف الحازمى وخالد المحضار، وهما رأس الحربة في مرحلة الإعداد لعملية الحادى عشر من سبتمبر.

لا أخفى إعجابى وقتها بنموذج عربى مسلم أصيل حباه الله من العلم والذكاء والفطنة وعزة النفس مثلما حباه من حلاوة المنطق وسلاسة الحجة بلغة إنجليزية بنكهة أمريكية تخترق العقول والقلوب. وصحيح أنه انتقل في السنوات الأخيرة من الحض على المقاومة إلى الحض على المبادأة، إلا أننى لا أستطيع أن أخفى اليوم احتقاراً شديداً لموقف كل من باراك أوباما (ومن ورائه صهاينة واشنطن) وعلى عبدالله صالح (ومن ورائه صهاينة العرب).

شتان بين موقف أوباما حين جاء وموقفه الآن، بين إصراره - الذى لم يعد - على إقامة العدالة في محاكم مدنية حتى لأعتى عتاة جوانتانامو، وبين إعدامه مواطناً أمريكياً بغير وجه حق وبصورة عشوائية تأخذ أيضاً أرواح ثلاثة آخرين كانوا معه.

أما على عبدالله صالح فلن تأخذ ثوار اليمن به شفقة حين يسقط في أيديهم، وهو ساقط ساقط بإذن الله.

استقيموا يرحمكم الله.

زر الذهاب إلى الأعلى