آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

لوحة اليمن السوريالية ... من حرب الفتاوى إلى اغتيال العولقي!

بمقتل أنور العولقي القيادي البارز في تنظيم القاعدة صبيحة الجمعة 30 سبتمبر؛ تكون القاعدة قد ضُربت بيدٍ من حديد! والحدث مع أنه ضربة للتنظيم غير أنه يؤكد من جهةٍ أخرى أنّ القاعدة في اليمن تلعب دورها مستفيدةً من الانفلات الأمني الذي سببه التمسك بصلف بالسلطة من قبل الرئيس اليمني علي عبدالله صالح!

الخليجيون يعلمون الدور الذي يمكن أن تلعبه القاعدة في مثل هذا الفراغ، فالقاعدة تنظيم يتغذّى على الفراغات، ويتحطّم بالوحدة والتماسك؛ وكل فراغ سياسي هو مستنقع للتفريخ القاعدي، وهذا الذي جرى في اليمن بالضبط. صحيفة فايننشال تايمز ذكرت أن مسؤولين خليجيين أكدوا ضرورة تسريع انتقال السلطة في اليمن، من أجل منع تنظيم القاعدة في اليمن من استغلال الفراغ السياسي.

مقتل العولقي لا يعبر عن مكافحةٍ جادة من قبل النظام اليمني تجاه التنظيم، بل كان الرئيس اليمني يستخدم القاعدة وهي تفهمه، فالنفوذ الذي اكتسبه النظام عالمياً جاء بسبب ورقة القاعدة التي إن قضى عليها ستحترق ويخسرها، فالاهتمام الغربي بالنظام اليمني خلال العقدين الماضيين كان بسبب تأمين العالم من الخطر الذي تشكّله القاعدة في اليمن، فالدول الجادة التي حاربت القاعدة استطاعت أن تقضي عليها، غير أن النظام اليمني كان يسايس القاعدة بمكرٍ سياسي، أكثر من مكافحته لها أمنياً، من هنا استوطن التنظيم اليمن بكل تبختر، وهو يعتاش على الصراعات القبلية، كما أن التضاريس اليمنية خدمته جغرافياً لمد يده إلى أهدافٍ أمريكية أو إقليمية، ولم يكن للرئيس اليمني أن يضرب القاعدة بالضربة القاضية لأن أهمية النظام الاستراتيجية ستتضاءل. من هنا فإن اغتيال العولقي يعبر عن القوة الأميركية في ضرب القاعدة أكثر مما يعبر عن جدية نظام صالح في القضاء على القاعدة، وهنا يكمن الفرق!

اليمن اليوم يعيش حالةً من "تأجيج الحرب" داخلياً، بفعل الصراع على السلطة، وتمسك الرئيس اليمني بها، ودخوله حيّز التأويلات للمبادرة الخليجية لتكون في صالحه، وبإدخال المجتمع حالة أيديولوجيا الفتاوى يكون النظام قد حكم على اليمن بمأزقٍ ينضاف إلى المآزق التي يعاني منها اليمن منذ نصف قرن. بالفتوى التي أصدرتها جمعية علماء اليمن تكون الفتوى قد عطّلت الدستور، ذلك أن الفتوى التي تنصّ على تحريم الخروج على ولي الأمر تتعارض وحق التظاهر الذي يكفله الدستور اليمني.

إنّ اجترار الفتاوى لضرب الخصوم السياسيين وتعطيل الدستور هو الذي يكرّس الفراغ السياسي اليمني، والذي ينذر بتقلص المساحات الآمنة، واتساع رقعة المساحات الفارغة، والتي يجد فيها تنظيم القاعدة ملاذه الآمن ليتحرك من جديد ويضرب ضرباته في الداخل والخارج، كما أن الفتوى تُدخل اليمن في صراعاتٍ أيديولوجية مبنية على فتاوى هي أصلاً لم تخرج من أرض التقعيد الديني وإنما جاءت بها رياح السياسة العاتية ولهذا فإن الثائرين سيكونون بمرمى نيران دينية مسيّسة إضافةً إلى سهام ورصاص القتل الذي جعل الثائرين ينزفون الدماء.

كما أنّ الفراغ السياسي اليمني لا يخدم القاعدة فقط، وإنما يخدم القوى الإقليمية التي ترى في اليمن خاصرةً جاهزة للانقضاض والانتقام من الخليج، فاليمن بوابة العرب وخاصرة الخليج، وحين تضطرب فإن الماكرين الآتين بدعمٍ من إيران وغيرها ربما يجدون في اليمن مجالاً للضرب والتخريب، وهذا هو سبب غضب نواب إيرانيين من المبادرات الخليجية التي تتجه لحلٍ سلمي لانتقال السلطة في اليمن، نعلم أهداف إيران حين نقرأ انتقادات النواب لتدخّل الخليجيين الحكيم في البحرين واليمن، يخصّ النواب انتقاداتهم للخليج بأنهم يتدخلون في "اليمن والبحرين"! ليت أن إيران تتدخل سلمياً كما يفعل المسؤولون الخليجيون، لكنها لا تجيد إلا التدخل الذي على منوال تدخلها في العراق ولبنان، وهو تدخل دموي بطبيعة الحال!

ومع أن الرئيس الأميركي باراك أوباما وصف في خطابه مقتل العولقي بأنه "ضربة للقاعدة" ومع وصفه للعولقي بأنه "مسؤول العلاقات الخارجية" لتنظيم القاعدة! غير أن مقتله لن يشلّ تنظيم القاعدة؛ لسببٍ أساسي وهو أن الفراغ السياسي في اليمن يتّسع، فالقضاء على الأفراد لا يعني النجاح في تعطيل قدرة دوران مكينة التنظيم، يمكن لليمنيين أن يحصّنوا اليمن عبر الوحدة الاجتماعية، والقبول بالمبادرة الخليجية وتحقيق مطالب الثائرين الشباب الذين ليست لديهم أجندة دولية، وإنما رغبوا بالتغيير السياسي السلمي، في اليمن الذي يعيش فوق بحرٍ من أدوات السلاح رمى المتظاهرون أسلحتهم وذهبوا بصدورٍ عارية نحو الساحات، وما لم يقبل النظام بمبادرة الخليج فإنّ خاصرة الخليج ستكون متاحةً للمغرضين سواء من التنظيمات الأصولية أو من القوى الإقليمية. هل يستطيع اليمن النجاة بنفسه وبالمنطقة من هذا المأزق؟ العبء الآن على الرئيس اليمني أن يستجيب لصوت شعبه، وأن لا يواجههم بصوت الفتاوى المسيّسة التي لا تفرح أحداً سوى القاعدة وداعميها. إنها لوحة اليمن "السوريالية" العصيّة على الفهم و- ربما - على الحل.

زر الذهاب إلى الأعلى