حين أنظر إلى تشبثه الشديد بالكرسي على أنها حالة طبيعية، يجدر بي أن أستعير ضمير بلطجي ولو مؤقتا، كيما أصدِّق أو أصَدًّق حكاية "الحفاظ على الانجازات". ذلك أنني لا أضحك حد الغثيان من سماع هذه الأسطوانة وحسب، وإنما حين ألاحظ استماتة صالح دون الكرسي بحجة الحفاظ على انجازاته، أتذكر حالاً "ومن الحب ما قتل" على الأقل حتى مساء يوم "حادثة النهدين". لكن سيقول أحدكم: ما ذنب عبدالعزيز عبدالغني مثلاً وأفراد الأمن والجيش وأطفال أرحب وزنجبار وتعز والمسن العرومي في إب؛ ما ذنب كل هؤلاء في علاقة صالح الغرامية/ المشبوهة بالوطن.
شخصياً، كنت أتمنى للرئيس صالح أن لا يرحل عن اليمن وهو جثة متفحمة تتوسط نعش! هذا طبعاً قبل حادثة جامع النهدين بأسابيع كثيرة. وبالذات حين كنا نتموسق جميعاً، مع ما كان يلوكه صالح وأعوانه عبثاً، في بعض خطاباتهم النارية والباردة. لكن "الخروج المشرف" الذي كان يراد له كتقدير لانجازات الرجل، كشف لاحقاً، عن نية مبيتة لترحيلنا نحن هي تلك العودة المفاجئة من السعودية ومن ثم التمسك الشديد بالموقف الرافض لنقل السلطة بالطرق السلمية رغم المبادرات.
حينها، كنا نتوقع أو نتمنى أن يعود صالح من المملكة وقد وعى حقيقة أن الحياة بشكل عام فانية كانت على الكرسي أو في أوساط العامة، وأن الوقت حان ليقدِم على خطوة جادة تنجيه وأسرته من جحيم التأريخ وثأر الشعب. لكن الرجل عاد بذات اللهجة التي كان يتحدي فيها وأكثر، والمشكلة أنه كان ولا يزال يتحدى شعب أرهقته الأزمات والرصاص وهو لا يزال صامد وثابت في موقفه وسمليته.
أحياناً أتساءل وبكل سذاجة: لمَ لم يستفيد صالح من الملك عبدالله وهو "صديقه الحميم" حد وصف البركاني ذات مداخلة متلفزة، ولاسيما في التفكير بأي إجراء يخفف من حدة الأزمات في بلاده. فالرجل أصدر مؤخراً، قرارا يجيز للمرأة الترشح في انتخابات مجلس الشوري وفي المجالس البلدية. هذا الأمر بقدر ما هو محل استهتار لدى البعض، يعتبره الشعب السعودي وبالأخص المرأة، أهم ثمرات "الربيع العربي" في بلدهم تحديداً. كم تمنينا أن يقوم صالح مطلع الثورة أو الآن، بأي قرار ملموس حتى ولو إعفاء حمود عباد نهائياً، عن منصبه في وزارتي الشباب الأوقاف. أو قبلها بحوالي عامين، حين عرض عليه ملف (هلال باصرة) الخاص بناهبي الأراضي في عدن. ماذا لو بارك صالح هذا الانجاز وكشف عن المتورطين، ألم يكن بإمكانه عدم استفزاز الشعب بصمته حيال ذلك وغير ذلك.
لست بحاجة للعودة إلى الماضي الكئيب أكثر، اليوم فقط أتساءل: ماذا لو كان صالح حاكماً لدبي أو لماليزيا مثلاً، ثم أراد منه الشعب أن يرحل!!! تخيلوا معي كم كان سيتمسك بالكرسي معللاً ذلك بالحفاظ على الانجازات ؟!! الرجل ونظامه وجمعية العلماء الخاصة به، وقناة سبأ، وحتى أحمد الصوفي، جميعهم يتحدثون وبشهية وحماقة، عن ضرورة الحفاظ على الانجازات! وكأننا فعلاً، في السويد أو كوريا الجنوبية!
ولا أخفيكم طبعاً، أنني كنت في البداية لا أمانع ما كان يدور من حديث حول الخروج المشرف للرجل والرحيل الذي يليق بصالح، حتى أنني بالغت ذات مرة حين اقترحت بين أصدقاء بأن ينظم له حفل مميز ويعمل له موكب من قصر السبعين إلى المطار وذلك إن أراد صانع الانجازات أن يخرج من البلاد، أو يزف كعريس إلى قصره في سنحان، الأهم أن يسلم السلطة دونما دماء. لا أدري ما إذا كنت أسخر في هذا المقترح أم أني كنت على حق، ولاسيما أن ذلك حدث قبل أن يراق دم الأبرياء وقبل أن ينتشر القناصة في أسطح البنايات المجاورة للساحات وقبل أن تقتل الآليات العسكرية الثقيلة الأطفال والنساء في أرحب ونهم وتعز وأبين.
باختصار: لو كانت انجازات صالح في 3 عقود تشبه إلى حد ما انجازات نيلسون مانديلا خلال 6 سنوات في جنوب أفريقيا، كان بإمكان الرجل أن يخرج خروجا مشرفاً كما هو المقترح الساذج أعلاه، وأن يتحول إلى مرجعية سياسية واجتماعية في اليمن كما هو مانديللا الذي ناضل كثيرا وسجن 28 عاماً من أجل القضاء على التمييز العنصري في بلاده حتى وصل إلى هدفه النبيل، وحين ترأس الجمهورية من (مايو 1994 – يونيو 2000) شهدت بلاده نقلات نوعية في كل المجالات وفقاً لمراقبين. لكن الرجل عكس صالح الذي لا يزال متشبث بالكرسي، ترك رئاسة جنوب أفريقيا واتجه للعمل مع منظمات حقوقية عالمية ودعم قضايا إنسانية وسياسية دولية كالقضية الفلسطينية قبل أن تختاره الأمم المتحدة في 2005 سفيراً للنوايا الحسنة.