لم يكن حدثاً اعتيادياً على الإطلاق أن تحصل المناضلة / توكل عبد السلام كرمان على جائزة نوبل للسلام لهذا العام 2011م ، وهي الجائزة التي تعتبر الارقى بين جوائز نوبل الخمسة ،
كما لم يكن حدثاً اعتيادياً أن تحصل هذه المناضلة الجسورة على هذا الوسام العالمي ، وعلى هذا المستوى الكبير من الاعتراف الدولي بجهودها الدؤوبة والمخلصة في مجال الحريات وحقوق الإنسان ، وتقديراً لكفاحها السلمي لحماية المرأة والدفاع عن حقوقها ، وللمشاركة بشكل كامل في أعمال صنع السلام ، وكذلك " تقديراً لدورها في الدفاع عن حقوق المرأة في الدول العربية ، وعن حرية الصحافة ، من خلال تأسيسها منظمة "صحفيات بلا قيود " ، كل ذلك لم يكن حدثاً اعتيادياً على الإطلاق ، لكنه كان حدثاً استثنائياً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى .
ثم لم يكن الأمر مجرد حَضِ أو محض مصادفة ، أن تتقدم كرمان على أسماء عالمية وعربية كثيرة ، كانت قد ترشحت لنيل هذه الجائزة ، كان اهمها على المستوى العربي "وائل غنيم" الذي وُصف بمهندس الثورة المصرية على الفيس بوك ، وكذلك المدونة التونسية "لينا بن مهنا" التي نشرت على الشبكة تسلسل احداث "ثورة الياسمين"، وأيضاً المصرية "إسراء عبد الفتاح" إحدى المؤسسين لمجموعة 6 إبريل على الفيس بوك ، وعلى المستوى العالمي كانت الناشطة الأفغانية "سيما سمر" وهي المناضلة في مجال حقوق المرأة ، وكذلك "سفيتلانا غانوشكينا" من منظمة ميموريال الروسية ، وأيضاً المستشار الألماني السابق "هلمت كول " وغيرهم الكثير ممن كانوا قد ترشحوا لنيل هذه الجائزة .
ربما كان الحدث مفاجئاً للجميع وفي مقدمتهم "توكل كرمان" نفسها ، كما كان مفاجئاً ومفرحاً - بذات الوقت - للثوار وللمرابطين في ساحات الحرية والتغيير بعموم أرجاء اليمن ، ولكل المحبين والمناصرين لتوكل كرمان ، لكنه شكل – بتقديري – حدثاً مزعجاً وصفعة كبرى لأعدائها وعلى رأسهم ما تبقى من فلول نظام صالح المتهاوي ، الأمر الذي أحدث إرباكاً كبيراً وتلعثماً شديداً للمتحدثين الإعلاميين باسم بقايا النظام عبر القنوات الفضائية وعبر وسائل الإعلام المختلفة التي تناقلت الخبر، وعبر البيانات التي صدرت عن المؤتمر الشعبي العام وغيرها من الأصوات المحسوبة على بقايا النظام .
أما أحزاب اللقاء المشترك وبعض القوى المساندة للثورة من شيوخ القبائل والعسكريين ، فقد كان الخبر بالنسبة لهم مفاجئاً وصادماً ، خصوصاً وأنهم كانوا على خلاف دائم مع كرمان حول أساليب ووسائل التصعيد الثوري ، وحول قرار الحسم النهائي للثورة ، تلك الأحزاب والقوى التي اتُّهِمَت من قبل الكثيرين بالسعي إلى اختطاف الثورة من الشباب ، وتجييرها لصالح أجنداتهم الحزبية والقبلية والعائلية ، والتي كانت قد استطاعت بالفعل – ولو بشكل نسبي – التأثير على مسار الثورة ، وعلى تحجيم وتهميش القوة الشبابية المحركة لها داخل الساحات ، والتي كان على رأسها "توكل كرمان" ، وأكبر دليل على ذلك هو ذاك اللغط الذي حصل بعد اعلان توكل كرمان عن تشكيل المجلس الانتقالي ، وتلك الحملة الشعواء التي شنها بعض أفراد تلك القوى على السيدة "كرمان" وزملائها من شباب الثورة الذي أعلنوا تشكيل المجلس ، لدرجة أن الكثيرين منهم كانوا يطلقون عليه تندراً "مجلس توكل كرمان" ، في إشارة منهم بأن ذلك المجلس لم يعدو عن كونه مجرد مؤتمر صفحي ل "توكل كرمان" و"خالد الآنسي" وزملائهم ، الأمر الذي أحدث ما يشبه الانشقاق بين شباب الثورة "المتمرد" على الأحزاب إن جاز التعبير داخل الساحات أمثال توكل كرمان وزملائها ، وبين الحزبيين ورجال القبائل والعسكرين المناصرين للثورة ، والذين قاموا بتهميش ذلك المجلس عنوة ، والعمل على تشكيل ما عُرف فيما بعد ب " المجلس الوطني لقوى الثورة " .
لقد جاءت هذه الجائزة – بتقديري - لتشكل صفعة أخرى لتلك القوى المختلفة مع "كرمان" ، تشبه إلى حد بعيد تلك الصفعة التي تلقتها فلول بقايا نظام صالح ، ولم يعد مهماً بعد اليوم أن تعترف تلك القوى بقوة "كرمان" الثائرة ، كمحرك رئيسي لقوى الشباب داخل الساحات ، وبقوة تأثيرها كحقوقية وكناشطة مدافعة عن الحريات بشكل عام وعن حرية الإعلام والصحافة بشكل خاص ، وعن مناصرة قضايا المرأة والمظلومين على وجه التحديد ، لم يعد مهماً بعد اليوم أن تعترف بقوتها تلك القوى الحزبية داخل الساحة اليمنية ، بعد أن اعترف بقوة تأثيرها العالم بأسره من خلال هذه الجائزة الدولية .
إن "توكل كرمان" – من وجهة نظري - كانت هي "النواة" الحقيقية ، والمحرك الرئيس لهذه الثورة ، ولذلك استحقت بجدارة نيل هذه الجائزة ، وعندما حاولت بعض القوى عبثاً إخراج هذه النواة أو إبعادها وإقصاءها من مكانها الطبيعي بشكل أو بآخر ، ذاك الإقصاء الذي ربما لا يبدوا في ظاهره للإنسان العادي ، الذي لا يتابع مجمل الأحداث ، لكنه يبدوا واضحاً وجليا بل و"فاقعاً" لمن يتابع الخفايا والأسرار التي تحاك من قبل مهندسي الثورة والمتحكمين قسراً بعجلات سيرها "من خلف الكواليس" ، جاءت هذه الجائزة لتعيد تلك النواة إلى مكانها الطبيعي الذي هو قلب هذه الثورة ، رغماً عن أنف أولئك الذي حاولوا عبثاً إخراجها وتهميشها.
هنيئاً للثورة اليمنية هذا الانتصار الكبير وهذا الاعتراف الدولي المنقطع النظير بشبابها الثائرين .. هنيئاً لكل اليمنيين والثوار داخل ساحات الحرية والتغيير .. هنيئاً للمرأة العربية أول جائزة عالمية تنالها امرأة عربية بهذا الحجم وبهذا المستوى ، ثم هنيئاً للمرأة اليمنية بشكل خاص هذا الانتصار العظيم لقضاياها ، على حساب الرجل الذي كان ولايزال يستأثر بكل شيء على حسابها.. هنيئاً للوطن اليمني بأكمله هذا الشرف وهذه المكانة اللائقة بين الأمم .
هنيئاً لليمن جائزة نوبل للسلام .. لأول مرة في تاريخها الطويل .. هنيئاُ لليمن بأبنائها الشرفاء العظام الذين تفاخر بهم .. هنيئاً لليمن هذا الاسم الكبير الذي يليق بها وبمكانتها ..
هنيئاً لليمن ..توكل كرمان .