أصغى اليمنيون أمس جيداَ لاسم بلدهم يتردد في جهات الأرض الأربع، مقروناً بالفوز والتكريم والجائزة العالمية الأكثر اشتهاراً وجذباً للاهتمامات والطامحين.
كانت اليمن وشعبها وثورتها السلمية، وشبابها وشهداؤها ترن في تداولات الأعلام والفضائيات وعموم جمهور الكرة الأرضية بفوز عنوان الثورة اليمنية توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام.
وتكريم توكل له وجه آخر، هو تكريم الثورة اليمنية وتطلعات المعتصمين في الساحات من أجل الحرية والمستقبل الأفضل لبلدهم وشعبهم.
إذن، لم تعد اليمن إسماً رديفاً للإرهاب والفقر والفشل كما قدمها علي صالح ونظامه طوال العقدين الأخيرين تحديداً، بل ضيفاً كريماً في أهم محفل أممي لجائزة عالميه تتكثف فيها رمزية الحضارة المعاصرة، وقيمها الكونية: الحرية، الكرامة، الإبداع، السلام، الحقوق، المساواة، الفر دانيه، الاستقلالية، وبالطبع...الفعالية والإنجاز الذي يحدث فرقاً.
واختيار توكل كرمان لتمنح هذه الجائزة العالمية الرفيعة قرار موفق ورمزي يختصر لوحة الثورة السلمية اليمنية ويعبر عنها بما أفرزته من إرادة شعبية خلاقة وشباب وشابات يعشقون الحرية، وطاقات وطموح، ونزوع نحو التغيير والانتصار للإرادة الشعبية، وهو اختيار يختزل كل هذه المفردات ويقدمها للعالم في شخصية الفائز بالجائزة والمستحق للتكريم بمدلولاتها وتأثيرها، فهذه المرأة ذات الروح الحرة والإرادة القوية، والمبادرة الجريئة كانت عنواناً لهذه الثورة والانتفاضة الشعبية منذ اليوم الأول لتشكلها، وقبل ذلك كان حضورها مميزاً ولافتاً في أكثر من مجال، من الفعالية المدنية لمنظمة "صحفيون بلا قيود" والقضايا التي ارتبطت بهذه المنظمة وشخصية توكل، وكلها في سياق الذود عن الحقوق الأساسية للناس في الحياة والتعبير وما ارتبط بها من انتهاكات طالت أفراداً وجماعات، ونشطت توكل ومنظمة بلا قيود في التضامن والدفاع والعمل على كل هذه المفردات والسياقات.
إلى هذا كله تبرز دلالة "توكل" كامرأة فاعلة وثائرة في مجتمع يتوق إلى تمكين رجاله ونسائه من المشاركة في بناء مجتمعهم وتفعيل كل مكوناته البشرية من أجل النمو والتطور والبناء، وإذا ما أضيف لذلك الانتماء الحزبي للحركة الإسلامية (حزب الإصلاح) تكون توكل النموذج المناسب لتكاثف رمزيات متعددة، لأبعاد متنوعة، تجتمع فيها الثائرة والكاتبة والناشطة المدنية، بدلالة الانتماء لحزب ذي مرجعيه دينيه، ويخوض تجربة سياسيه رائده تعتبر نموذجاً لاستقطاب الشباب في التيار الاجتماعي والثقافي الإسلامي إلى وعاء سياسي يرسخ الاعتراف بتعددية الآراء والأفكار ونسبية الحقيقة، وإعلاء الصراع في إطار البرامج والرؤى السياسية بمنأى عن صراعات جذريه تفضي إلى الانتحار والدمار للأفراد والجماعات، كل هذه الدلالات كانت حاضرة أمس في فرحة اليمنيين بهذا الحدث الاستثنائي، الذي تسيد أحاديثهم واهتماماتهم، ومعه عاش الثوار في كل الساحات ما يشبه البروفة للحظة الانتصار الكبير التي قدموا من أجلها الشهداء والجرحى واحتملوا ثمناً لها الرصاص والحصار والقذائف والقنص والبوازيك والدعايات والحملات وقطع الخدمات وكل أنواع الحرب التي احتملوها وتجاوزوها وانتصروا عليها، انتظاراً للحظة انتصارهم الكبير وتحقيق هدفهم بتغليب الإرادة الشعبية وانتصارها على إرادة الدكتاتور وعصبته وأعوانه.
وما تفعله الثورة اليمنية الآن يبدو واضحاً في اضطلاعها بمهمة إعادة بناء سلم القيم وشرعية الأداة القسرية (الدولة) وسمعة اليمن ومكانتها بين الأمم الحرة.