في السعودية يؤمن الناس بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، الذي رواه الشيخان، «أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوباً. الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم». لكن هذا الايمان بخصوصية اليمنيين ب «الإيمان والحكمة» لا يبرح المساجد، والقصائد. أفسد العسكر والانقلابيون، والثوار، صورة اليماني في مخيلة السعوديين. وخلال العقود الخمسة الماضية لم يكن المواطن السعودي يرى من أهل اليمن إلا عاملاً أو مزارعاً بسيطاً، فصار «أبو يمن»، و «بوحضرم»، شخصاً لا يثير الاعجاب والدهشة، رغم ان الناس في بلادي يحفظون لليمنيين عزة النفس ونبل الأخلاق وكرمها.
لكن الثورة اليمنية قلبت المشهد. كشفت المسيرات وجوهاً يمنية لم نكن نعرفها، أو هي غيّبت عنا. كأن الانظمة السياسية المتعاقبة على اليمن عاودت بناء سد مأرب في وجه الشعب اليمني. فتيات وفتيان بعمر الزهور، أدهشوا العالم بسلوك متمدن، ولغة راقية، لم نعهدهما في الشارع العربي. وجاءت الناشطة اليمنية توكل كرمان، التي حصلت على «جائزة نوبل»، لتكرس هذا الانطباع الجميل. توكل ليست استثناءً، كان اختيارها عنواناً لجيل يمني قادم، يدهش العالم عبر شاشات التلفزيون، وحصولها على الجائزة العالمية، فتح عيوننا على حجم جهلنا بالمستوى الذي وصل اليه الجيل اليمني الجديد، فضلاً عن عمق الهوة بين الشباب اليمني والنظام الذي يحكمه.
رئيس لجنة نوبل للسلام، برر اختيار توكل كرمان بمعيار «الأقدمية». كأنه يريد ان يقول ان اليمنيين سبقوا غيرهم من العرب بالتطلع إلى الحرية والسلام، وهو، في معرض تبريره، نسي الاشارة إلى قضية أهم من الأقدمية، وهي ان شباب اليمن تمسك بسلمية الثورة، مع ان التمنطق ب «الجنبية» و «الخنجر» جزء من تقاليد البلد، ناهيك عن ان اليمن دخل اكثر من سبع حروب خلال العقود الثلاثة الماضية، حتى اصبح السلاح يباع على الارصفة مثل حزمة «القات»، لكن شباب الثورة لم يطلق رصاصة واحدة، وهزم قوات الرئيس علي صالح التي دكت الأحياء والمدن، واستهدفت الاطفال والنساء، وانتصر شباب اليمن... بالتمدن.