[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

شيء من وخز الضمير

متى يحدث التحول ويتوقف الخطاب الاستهلاكي المعتمد على التخويف ونصب الفزاعات السياسية حول انعكاسات الاحداث الداخلية في اليمن على شعب وحكومة المملكة بدرجة رئيسة ودول مجلس التعاون بشكل عام ..؟

هل حان الوقوف على خلفية هذا الخطاب المفضي لتغليب النزوات الانتهازية على ما عداها من منطلقات عميقة تؤكد حاجة اليمن ودول المجلس إلى رؤية جديدة تتبناها دول الإقليم بالاستناد إلى وعي شعبي يشارك في رسمها ويفيد من مردودها على التنمية والاستقرار .

في اليمن اليوم من الاحتمالات المروعة ما يبرر استشعار الأشقاء نوعاً من المخاطر غير المسبوقة وهم ولا شك سجلوا خلال الفترة القليلة الماضية أعلى معدلات الحضور السياسي والاقتصادي التضامني و بذلوا من المساعي الأخوية المضنية الكثير بل وزادوا على ذلك استعدادهم لتحمل التبعات فما الذي حال دون إحراز النجاحات المطلوبة بما يعادل المساعي السياسية والاستعداد الاقتصادي؟ .هل مجريات الأحداث ذات طبيعة شائكة وتستعصي ادوائها على المعالجات،أم أن في الأمر إشكالا بنيوياً راكمته خبرات احتلاب الأثداء وتأثير القشعريرة على مضاعفة منسوب إدرارها؟!

يذهب بعض علماء النفس للاعتقاد بأن قوة العادة اشد أثراً على قرارات الإنسان أو مجموعات العمل المتجانسة من قواعد التعليم والمعرفة ومن الإرشادات التي يعززها الموقف المؤسسي. لهذا تظل قوة العادة أكثر موجهات السلوك المتواتر للنظام السياسي بشقيه الرسمي والمعارض خلال تعاملهما الطويل مع دول الإقليم والعالم .

أميل للقسوة في ممارسة النقد الذاتي ويؤلمني وخز الضمير ويشدني تراث قرشي عربي يؤصله قول الشاعر .

وما أنا إلاّ من غزية إن غوت..غويت وان ترشد غزية ارشد
أنذا أخاطر بالحديث عن قوة العادة ومن خصائص الضرورات إباحة المحظورات .

بين يدي ّ مئات الوثائق المتصلة بتاريخ الصراعات الداخلية اليمنية وتداخلاتها مع الخارج على مدى خمسة عقود من الزمن وجميعها لا تخلُ من الخطاب الاستهلاكي المستخف بمكانة اليمن، المستهين بسمعة شعبٍ عربي أصيل شارك في صناعة التاريخ ووضع بصماته في سجل الحضارة الإنسانية وروى القرآن الكريم مآثره وشهدت الفتوحات وثبات أبنائه .. فلماذا تظلمه السياسة النفعية ، وِلمَ تتعسف الانتهازية إرادته وتعيد تقديمه على بساط مريض يفترش الأرض، مستعرضاً عاهاته لأغراض الحصول على المزيد من المال..

قبل عقدين ونصف كان في اليمن غمز وبعض لغط حاسد حول مظاهر الثراء في الدول النفطية ومع مرور الأيام إذا لدينا مئات الأثرياء نبتوا فوق عشب قاحل، ولم يكن المستغرب تغير أحوال معظمهم من الفقر الموقع إلى الثراء الفاحش وإنما استدامة إحساسهم بما كانوا عليه من ضيق ذات اليد ونهمهم الملحوظ – والمُذل – في طلب المال، الأمر الذي سبق لي وصفه بالجوع المعنوي وهو من بين أكثر الأمراض فتكاً بالشعوب ونيلاً من كبرياء الدول ونخر مقومات الثقة المتبادلة بين أنظمة الحكم..

تكدست ثروات المتكسبين بجراحات شعبهم وبات لدينا ما يشبه الإدمان على توليد المعضلات وتطبيع الآخرين على التعامل مع الرواغات الأثيرة ومخرجات توظيف العاهات والتخويف منها، أي أن مرحلة جديدة وطبعة مطورة من نتاجات العقل المأزوم بدأت الانخراط في صلب المعادلات المعتادة، ومن طبيعة هذه المرحلة نزع كل الضمادات ورفض الاستجابة للمضادات الحيوية وخلق بيئة مناسبة لتكاثر الجراثيم وتهيئة المناخات الكفيلة بانتشارها وانتقال عدواها ..

ورد في الأثر النبوي ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ) ولئن كان الأشقاء حاولوا مراراً دعوة النظام السياسي لإصلاحات جادة والشروع في بناء مؤسسات حديثة وإحلال سيادة القانون و اجتثاث مظاهر انتشار السلاح وزراعة القات وإحكام السيطرة على مسالك وشبكات الاتجار بالمحرمات إلاّ إنهم وقد تبينوا تقاعسه المتعمد وعدم جديته في الارتقاء بدور الدولة وطريقته المؤسفة مع المبادرة الخليجية لم يأخذوا على يده ظالماً ولم يكفوا عن مجاراته تذاكي استدرار المعونات والخلط بين ما يخص نظام حكمه ومواقف وتوجهات الأشقاء في المملكة في محاولة إيحائية مباشرة بأن كلا الجانبين ينطلقان من مشكاة واحدة!

أنذا أكتب من خارج حلبتيّ الصراع الناجم عن الشراكات الآثمة وتحضرني مشاهد دراماتيكية عابثة تقتات على اجترار خبراتها المركومة من اللعب على المتناقضات وتوزيع وتوزع الأدوار بحسب اتجاهات الرياح الإقليمية حيناً وبمقتضى الإملاءات الغربية في معظم الوقت..
ولا غرابة أن تدهشك الخبرات الانتهازية بقوى سياسية يمنية جاهزة لإعادة تموضعاتها التحالفية وهي لا تجد حرجاً من اتخاذ قرار تغيير الوجهة المحددة سلفاً بأخرى على طرف نقيض داخل صالة المغادرة.
تتقن علوم الانتهازية عملها في استضافة وتمويل وحماية التواجد الإيراني وفجأة توجه سلاحها ضده وتستعدي العالم عليه وإذ لا تجدي الحيلة نفعاً فإنها تعيد بناء متاريسه صوب زاوية حادة تستهدف الأشقاء وتنال من ثوابت الأمن الوطني المحلي والإقليمي على حدٍ سواء..

لم يعد من قيم الانتماء ولا من دواعي الجوار غض الطرف لأننا في اليمن – كما هو حال الأشقاء في مجلس التعاون – من يدفع ثمن الاستخفاف بسمعة وطن ما كانت أوضاعه تبلغ هذا القدر من السوء لو لم يؤثر الداخل والخارج استمراء التعاطي مع قوة العادة والإعراض عن متطلبات المراجعة والتقويم وتحاشي الدفع بعجلة التغيير للأفضل وبالأفضل..
تغيرت أيديولوجيات فكرية وتبدلت تحالفات دولية وانفرطت عقود دول عظمى واليمن على دأبه ولاد أزمات أو شظايا مقذوف استبدادي..فمتى ينال هذا البلد حقه من حرص الأشقاء واهتمامهم على نحو يتجاوز قوة العادة بتحالفاتها التقليدية التي ترتهن هذا البلد بأفقه الممتد لمصالحها الضيقة كما في طبائع نظام صنعاء أو تقفز على الجدار القصير وتقدم قضية التغيير بأشكال تنكرية مثلما تبدو عليه أحزاب اللقاء المشترك.. أليس من حقنا على الأشقاء ومن حقهم علينا البحث عن ممكنات أخرى لم تعتد استثمار جرح الكبرياء.

بيت من الحزن:
(وقسا ليزدجروا ومن يك راحماً
فليقسُ أحياناً على من يرحم)

زر الذهاب إلى الأعلى