أرشيف الرأي

السعودية ومكامن الإخفاق في علاقتها مع النظام اليمني

إزاء التصعيد الإيراني الأمريكي على إثر ما قيل أن المخابرات الإيرانية حاولت اغتيال سفير العربية السعودية في واشنطن، حدث تدهور كبير في العلاقات بين(طهران) من جهة و(البيت الأبيض والرياض) من جهة أخرى وصل حد الخصومة،

ولعل ما يعتمل في المنطقة وعلى وجه الخصوص في الساحة اليمنية التي تشهد ثورة غير مسبوقة يجعل أطراف الصراع أكثر حضوراً باعتبار أن الأطراف ذاتها تحاول نقل المعركة خارج الحدود وبالذات (طهران) هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن النظام يفتح ذراعيه لهذا الصراع كي يُدار من الداخل اليمني مادام يحقق له مجالاً حيوياً للتخلص من خصومه في الداخل، ويجلب له أموالاً وعلاقات مع الخارج من خلال لعبة مد العصا والجزرة.

التي تتمثل في خيار إما الدعم أو أن الأحداث ستتداعى وتخلق تنامياً للإرهاب وفوضى تضر بدول الجوار وتسمح لقوى خارجية بالتواجد.. ويبدو أن قدرة النظام في هذا الاتجاه اليوم لم تعد كما كانت في السابق. وإن كان ثمة محاولة قوية يعمد النظام إليها إلا أنها تتكشف من خلال الثورة التي قدمت النظام باعتباره لم يكن في أي يوم صادقاً لا مع الداخل ولا مع الخارج، قدر ما استغل التوتر في المنطقة مع إيران ومع الإرهاب لزيادة مداخيله وتطويل عمره في السلطة والهروب من الاصلاحات، بحجة أن الظروف غير مواتية وأن الحرب على الارهاب يحتل المرتبة الأولى، وهو هروب لم يعد اليوم مقبولاً، لا سيما أن المنطقة تمر بظرف بالغ الخطورة، والمسألة اليمنية من الصعب أن تبقى معلقة دونما حسم وحلول جذرية.

على الأقل بما يطمئن المملكة العربية السعودية وهي على موعد مع طهران في مواجهة وشيكة، وأياً كانت هذه المواجهة وتحت أي حماية، فالمؤكد أن اليمن ساحة مرور واسعة إلى المملكة في ظل الظروف التي تعيشها والتي يعمل النظام على استغلالها، كفجوة قابلة للاتساع وللردم في آن بمقدار التعامل السعودي مع النظام قرباً وبُعداً، فإيران حاضرة عبر الذراع الحوثية التي أكد عليها نائب وزير الإعلام الذي قال عنها: إنها قوة صاعدة تحترم، يرى إليها النظام بشكل ما مجالا حيويا للضغوط على دول المنطقة، بالتخلي عن المبادرة الخليجية، أو التعديل فيها بما يحقق مكاسب انتصار للنظام.. وإذا تواجه المملكة العربية السعودية مخاطر التدخل الخارجي عبر اليمن من خلال الحوثية، وتنامي علاقاتها مع النظام كما صرح بذلك نائب وزير الإعلام.

ولطالما أكدنا على ذلك مراراً وقلنا: أن أي فوضى تجتاح اليمن ليست في صالح المملكة العربية السعودية وأنها المستهدف الرئيس في هذه الفوضى الخلاقة والتي يؤكد عليها الرئيس اليمني في أكثر من خطاب له، الذي يلعب بكل الأوراق ليبقى هو الرابح بغض النظر عن أية توازنات في العلاقات مع الخارج، أو ثوابت في السياسة الخارجية لبلادنا، فما يهمه بالدرجة الأساس هو إيجاد منافذ كبيرة لخلق ضغوطات على الرياض للوصول إلى أكبر قدر ممكن من طموحاته في كبح جماح ساحات التغيير والتخلص من خصومه في المعارضة.

ويبدو أنه في هذا السياق قد استطاع إلى حدٍ ما أن يؤثر على السعودية، وأن يؤجل الفعل الثوري، لكنه لم يستطع القضاء عليه بفعل قوة وإرادة وصلابة الشباب وثورتهم السلمية التي قدمت النظام كما يجب لاعباً بهلوانياً على كل الحبال، وهو ما بدأ يترسخ لدى الغرب والمملكة العربية السعودية. وإن كان النظام ما يزال يحاول المزيد من كسب الوقت بالمراوغة وانتظار القادم في اللعبة الدولية بين الولايات المتحدة ومعها السعودية ضد طهران، والتي هي اليوم اقرب إلى المواجهة، سيما بعد أن تعثرت المفاوضات السرية الإيرا أمريكية على الأولويات في المنطقة ومناطق النفوذ وإطماع كل منهما في ثروات هذه الأمة. لتفجر في شكل ترهيب ومن خلال القول: إن طهران تتبنى الإرهاب في واشنطن بمحاولة اغتيال السفير السعودي لتتصاعد حدة الخلاف إلى مستويات غير مسبوقة بدأ فيها التلويح بالقوة وبالقدرة على المواجهة، ويتحدث في هذا المنحى احد المسؤولين في طهران عن القدرة العسكرية الإيرانية في احتلال السعودية وبأسرع وقت.

وهنا فقط يجد النظام ضالته ليناور من خلال (الحوثية) التي لم تتحرج أبداً في القول: إن علاقتها مع طهران هي في سياق المشروع الثوري للإمام الخميني كما ورد في تصريح (علي العماد) في جريدة (الشرق الأوسط) وهو مندوب الحوثيين في الملتقى العام للتنظيمات الثورية بقوله: (ارتباطنا مع إيران مبنيٌ على التوافق مع الرؤية الخمينية في العمل الثوري).. بهكذا وضوح تقدم (الحوثية) نفسها. وبلا شك فإن مشروع (الخميني) هو تصدير الثورة الإسلامية إلى دول المنطقة واستعداء (الوهابية)، التي قال عنها (علي عبد الله صالح) في إحدى المقابلات إنها تطرّف ويتهم حزب (الإصلاح) من قبل (المؤتمر الشعبي العام) أنه وهابي ومتطرف، وهو ما يلاقي ارتياحاً لدى طهران ولدى الحوثية التي هي الآن مستعدة للخوض في معترك التحديات التي تواجه (طهران) من قبل (أمريكا والسعودية) والتي يجري على إثرها ما يشبه الغزل السياسي بين النظام والحوثية في إطار اللعب على المصالح ...

وإذاً فإن الفوضى التي زادت حدة على إثر عودة الرئيس من الرياض بعد رحلة علاج، تأتي في هذا السياق، بعد أن وصلت السعودية إلى مرحلة إحراج شديد عالمياً في موقفها من الثورة اليمنية وانحيازها إلى النظام المتمثل في منحه الحصانة من أية مساءلة من خلال المبادرة الخليجية التي منحته القدرة على القمع بضمانة حصانته. وهو الأمر الذي حفز شباب الثورة إلى الوقوف ضد السياسة السعودية لتهاجم إعلامياً على نطاق واسع من قبل شباب الثورة والعديد من القنوات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق وحريات الإنسان، وبعد أن وجد من ذات الهرم السياسي في المملكة من يستنكر الوقوف إلى جانب النظام على حساب شعب ووجود قرارات دولية في الطريق إلى أن تقدم نفسها، لتضطر المملكة إلى أن تقلص من تعاطفها مع النظام، في المقابل نجده أي النظام يستغل ثغرة تدهور العلاقات الإيرانية السعودية ليمد اليد عبر مسؤوليه في الإعلام إلى الحوثية القوة الصاعدة التي يجب أن تحترم على حد قول (عبده الجندي)... وهنا فقط نسأل. لصالح من هذا الحضور؟ ومن المستهدف؟

بلاشك أنه لصالح طهران بمشروعها الخميني المعادي لتيار (الوهابية) والذي يعترف ويقرّ به (الحوثيون) أنفسهم والذي يشتغل عليه النظام من وقت مبكر لإحداث خلخلة سياسية ذات معنى في دول المنطقة تتيح المجال واسعاً في قمع المعارضة واحتلال ساحات التغيير والتخلص من خصومه في الوقت الراهن ضمن برنامجه التصعيدي الكبير الذي دشنه بعد عودته مباشرة ليبلغ مستوىً غير مسبوق في 16/10على إثر خطاب ألقاه الرئيس أمام حشد من القادة العسكريين وضعهم في الصورة التي يريد مما يجري على أرض الواقع ودعاهم لتحمّل المسؤولية في المواجهة محتفظاً ببقية الصورة في ذهنه والقائمة على ما يعتمل في دول المنطقة. التي تشهد توتراً كبيراً مع إيران، وهو توتر يتيح فرص للنظام لخلق أجواء ترهيب وترغيب أمام المملكة بمقدار حضورها معه أو غيابها عنه، وفي كلتا الحالتين لديه أوراق سياسية مهمة تمكنه من مواصلة الرقص على رؤوس الثعابين.

فوقوف المملكة داعمة له بهدف الوقوف ضد الحوثيين والمشروع الإيراني يكسبه الوقت والمال والقوة، ووقوف السعودية ضده يدفعه إلى المناورة بالعلاقات مع طهران ملوحاً بالسيف في وجه المملكة العربية السعودية التي لم تكن بمستوى فهم النظام رغم أنها عانت منه الكثير حين غافلها وتغافل عنها ثم ارتمى في احضانها دفعة واحدة وينسل الآن تبعاً للموقف السعودي من الثورة في الساحات ليغازل طهران بالحوثية، فيما تبقى المملكة بكل تأكيد تعيش المؤامرة على أكثر من صعيد في داخلها عبر القوى المناوئة الموالية لطهران وعلى وجه الخصوص المنطقة الشرقية (القطيف والأحساء) نموذجاً باسم الحقوق والحريات وحقوق المرأة وفي الخارج على مستوى دول المنطقة العراق، البحرين واليمن من خلال الفوضى التي يعمد النظام على اتساع رقعتها بما يسهل المرور لكثير من التدخلات الخارجية الرافضة قطعياً للوهابية السعودية، التي طالما شجبها وندد بها الرئيس اليمني في اتهامه لحزب الإصلاح كقوى متطرفة ليكسب ود طهران ويبقي خيط اللعبة في يده لإدراكه أنه ما يزال محتاجاً لأكثر من طرف يلعب معه وفق مصالحه وهو يواجه خصوماً في الداخل عبر المعارضة وساحات التغيير وفي الخارج شبه إجماع دولي على ضرورة تخليه عن السلطة، فيما هو يملك القبضة الحديدية التي تخول له القدرة على الصمود مستغلا ثغرات في السياسة الدولية (علاقة طهران بالولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية)والتي بات يعزف عليها لحناً غزلياً شجياً لصالح القوى الصاعدة التي يجب أن تحترم (الحوثية)على حد وصف نائب وزير الإعلام لها. وبغض النظر عن مدى جدية هذا الطرح من عدمه وهل هو يريد خلق انشقاقات في صفوف قوى الثورة من عدمه؟ أم يريد التشكيك بالحوثية في أنها على علاقة من وراء ستار معه؟

بغض النظر عن ذلك فإن الحاجة ماسة وقد تخلت المملكة بعض الشيء عنه عقب الانتهاء من معالجته فإنه الآن يرتب وضعاً جديداً يخصه، ومثلما قال إن الحروب الستة كانت للثراء والأراضي وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة والرجل الأول في إعلان الحرب أو انهائها ولعب وفق هذا المستوى واستطاع أن يصل إلى مداخيل كبيرة بذريعة مكافحة التطرف والإرهاب والحوثية الخطر الداهم على السعودية.. فإنه اليوم ينتقل إلى مربع لعبة أخرى بذات الإبعاد والمقاييس مستغلاً إخفاق السعودية في التعامل الصحيح مع الثورة الشبابية التي كانت بالفعل لصالح المملكة كونها كانت سترسي أمن واستقرار لا يسمح بأي نفوذ خارجي..

غير أن الذهاب إلى احتضان النظام وهو يترنح ويوشك على السقوط يؤدي بالتأكيد بوازع من ذات النظام إلى الفوضى التي تهدد أمن دول المنطقة وفي المقدمة السعودية أكثر بكثير من الداخل اليمني، وذلك أن السعودية لا تقدر جيداً التطلعات للشباب اليمني فيما هي تتعسى وإن على استحياء خيراً بالنظام اليمني الذي يتلاعب بالأوراق ويخلطها وفق مصالحه ودون أن يعير أي اعتبار للجوار. ولعل القادم يكشف المسكوت عنه وتدرك السعودية حجم إخفاقها وثمن هذا الإخفاق ما لم يحدث ترتيب قوي وصحيح مع قوى الثورة الشبابية في الساحات اليمنية، وتدرك المغالطات الكبيرة التي أنتجها النظام طيلة حكمه وهو يتلاعب بالعلاقات مع السعودية سابقاً ضدها مع البعث العراقي وصدام حسين، ولاحقاً معها حينا ومع طهران أحياناً أخرى، وهو ما كشفته السياسة القطرية الجادة والصادقة لتحدد موقفاً واضحاً منحازاً مع ثورة الشباب لقناعتها من خلال وساطتها في الحروب التي جرت في صعده أن النظام لم يكن جاداً وكان مراوغاً ومستغلاً للأحداث بهدف الهيمنة وضرب خصومه من القوى السياسية وغير السياسية وهو ما لم تفطن إليه جيداً السعودية.. فهل تدرك الآن حجم التحدي القادم؟! سؤال الإجابة عنه تتمظهر في قادم الأيام.

زر الذهاب إلى الأعلى