كلما استدعى النظام لجنة الوساطة إلى الواجهة، تحسس الثوار رؤوسهم متوقعين إفراطاً بالقتل، وإيغالا ًفي جرائم نظام قرر الانتحار والتطاير كشظايا وقذائف فوق الشعب. عصر أمس داهمنا هذا الخبر "لجنة الوساطة تعلن تثبيت وقف إطلاق النار في صنعاء"، تكملة الخبر تقول: .. بالتزامن مع بدء عملية عسكرية واسعة في تعز تشمل القصف واقتحام الأحياء بالأسلحة الثقيلة ومداهمة منازل السكان وما يرافق ذلك من قتل وترويع.
التهدئة في مكان والتسخين في مكان في تناوب مدروس للآلة العسكرية والأمنية يتسنى من خلاله لمركز السيطرة التحكم والتركيز على جزر الشعب هناك، بمنأى عن الانشغال هنا.
وهكذا ... التهدئة في تعز والتفرغ لأرحب، التهدئة في نهم والتفرغ لصنعاء، وفي هذه الفصول المتتالية للحرب المعلنة ضد الشعب اليمني يبدو أكثر من واضح الدور الذي تقوم به منظمة "لجنة الوساطة" كإحدى أدوات النظام، ولها دور محدد تُستدعى لأجله كلما دعت الحاجة، وتصعد إلى الواجهة بموجب مقتضيات خطة القتل المنظم. وهي للأمانة، تقوم بهذا الدور بكفاءة مشهودة.
الأهم من ذلك: وساطة ماذا وبين من ومن؟ هل مايحدث ثورة أم خلاف على أرضية بالحتارش؟ هي ثورة ب أل التعريف واضحة كضوء الشمس، في كل مدن اليمن وجهاتها الأربع، ويقدم اليمنيون من أجلها يوميا الشهداء والجرحى، ويقاومون القتل والقصف والحصار وقطع الخدمات الأساسية للحياة، والاستنزاف النفسي والعصبي على مدار الساعة.
مثل لجنة الوساطو لدينا أيضاَ مجلس وطني –يقال إنه للثورة – فهِم الاهتمام بالأطراف الدولية والأقليمية معكوساَ. فبدلاَ من أن يعطي وجهه للساحات أدار لها ظهره متوجهاَ بأنظاره كلها إلى مجلس الأمن والخليج وما تقوله تصريحات المسؤولين الأمريكان والأوروبيين وما تكتبه صحفهم. الخارج عامل متفاعل.. صدى للحدث الداخلي، مساند له ومكمل، غير أنه تحول بنظر الساسة المزمنين إلى بديل للداخل ومخلص ينوب عنه في إنقاذ اليمن من نظامها المستذئب ضد شعبه قنصاً وقتلاً وقصفاً وحصارأ خانقاً.
مايقدمه اليمنيون الشجعان كل يوم في ساحات الثورة من تضحيات، وصمود، وإصرار على الاستمرارية في ثورة الخلاص من نظام يختطف اليمن وشعبها هو جوهر الحدث ومتنه وأساسه، شرط ثباته ونصره. وهو أيضاً ما يجبر الجوار الجامد على المبادرة والمجتمع الدولي ومجلس الأمن على الاعتراف بثورة اليمن ومساندتها والتسليم بحتمية نصرها.
والفرق هنا أن هذا الأثر اللاحق في الخارج هو صدى للثورة ونتيجة لها، بينما تعتقد بعض العقول الصدئة أنها تفعل خيراً باليمن وشعبها بالمراهنة عليه عاملاً أساسياً في مسار الثورة وانتصارها. وهي نظرة قيادات أقامت طويلاً في الرتابة والعجز ونسيت القدرة على المبادرة والرهان على إرادة الشعب الصلبة. وهذا الاتجاه المعكوس لن يصل بالساسة المخضرمين إلى تحقيق التغيير المنشود وفق الخدعة الكبرى المسماة "بأقل تكلفة" بل سيصل بهم إلى الغرق بين سطور الصياغات التوفيقية لقرار مجلس الأمن والنفس الإرضائي لتدليل النظام. والمؤكد أنهم سيغرقون وحدهم إذا لم يرفعوا أرجلهم من الوسط اللزج المطاط.. ذلك أن الإرادة الجمعية الحرة التي تتصاعد أنفاسها وحرارتها وتضحياتها في ساحات الثورة اليمنية لا تعترف بالغرق والهزيمة.. ولم يستقر في هذه الروح الحرة لليمنيين سوى كلمة واحدة: النصر لليمن وثورتها الكبرى.