يبدو أن العقيد اليمني، الذي طال مكوثه في موقع الرئاسة رغم انعدام مواهبه وتواضع خياله السياسي وخصوصاً خراب اليمن في عهده وتزايد الاحتقانات والشروخ الاجتماعية وتجذّر (وليس فقط بروز) المخاوف من اندلاع حرب أهلية افقية وعامودية، تَأخُذ اليمن (في شكل أو آخر) إلى نموذج جاره الغربي، الذي لا يفصله عنه سوى باب المندب، والمقصود هنا الصومال الذي يعيش حالاً من الفوضى والانهيار تُصِرُّ كل دول الجوار، بدعم من الولايات المتحدة، على ابقائه أسيراً لحاله هذه تحت ذريعة الحرب على الارهاب ورغبة تنظيم القاعدة في تحويله مقراً رئيسياً له.
نقول: يبدو ان علي عبدالله صالح، الذي يتمتع بمظلة اقليمية قوية «وتطنيش» غربي وبخاصة اميركي، يعمل بوحي من القصة المعروفة التي كان بطلها جحا التركي (نصرالدين خوجه) عندما تعهد بأن يُعلّم «حماراً» اللغة خلال خمس سنوات، إذا ما أراد ان يُلبي الحاكم طلبه بأن يتزوج ابنته أو يقطع رأسه إذا فشل، فلما عاب عليه اصدقاؤه هذا «الغباء» لأن مهمته ستكون مستحيلة، إنطلق مقهقهاً راداً عليهم في ثقة.. «خلال السنوات الخمس.. إما ان اموت انا أو يموت الحمار أو يموت الحاكم».
والرئيس اليمني الذي يصعب على أشد منتقديه، عدم الاعتراف بقدرته على المناورة والتي ما كان لها ان تتواصل هكذا منذ اندلاع الثورة الشعبية السلمية عليه، لولا تلك «المظلة» التي تحدثنا عنها سابقاً وهي المظلة التي تواصلت خلال فترة حكمه الطويل وإن بإخراج وسيناريوهات مختلفة ومموّهة كانت احدى ابرز تجلياتها، الحرب التي شنها على شركائه في الوحدة، بل اصحاب الفكرة التي وضعوها موضع التنفيذ ظناً منهم ان حاكم الشمال سيفي بوعوده ويلتزم اتفاق الوحدة في العام 1991 لكنه انقلب عليهم وحاربهم في العام 1994، ليأخذ اليمن الجنوبي غنيمة اقتسمها مع شريكه السابق الشيخ عبدالله الأحمر زعيم حزب الاصلاح «الاسلامي» قبل ان تُفرّق بينهما الأيام..
صالح.. خَصّ قناة «فرانس 24» بمقابلة متلفزة لتتصدر اقواله وكالات الانباء والفضائيات وبخاصة استعداده للتنحي بعد «90» يوماً من التوقيع على المبادرة الخليجية (التي تم تعديلها اكثر من مرة وما تزال قابلة للتعديل (..)، لأن موفرّي المظلة، جاهزون ويريدون الاطمئنان إلى ان «الشخص» هو الذي سيتغير، لكن «النظام» الذي «بناه» صالح طوال ثلاثة عقود ونيف من الفساد والافساد وتدهور الاقتصاد وانهيار الخدمات والتفريق بين ابناء الوطن الواحد شماله والجنوب، ناهيك عن تحويل اليمن إلى ساحة تدريب بالذخيرة الحية للقوات الاميركية في حربها المزعومة ضد الارهاب.. سيبقى (النظام بالطبع وكأن الثورة لم تقم).
خلال ال «90» يوماً التي سيبقى فيها صالح «رئيساً» سيفعل كل ما بوسعه ليس فقط لإطالة «عمره» السياسي، ودائما في تفكيك المعارضة وتقسيمها واستمالة بعضها وشيطنة البعض الآخر على نحو يجعل من «الثورة» مجرد فصل في عمر «جمهوريته» التي شاخت، وهو ما برز على نحو لافت يوم امس، عندما وقع الخلاف بين الحوثيين وبعض اطراف المعارضة والاكثر خطورة هو «الغزل» الذي بدأ بين هؤلاء (الحوثيون) والنظام على نحو ينذر ببروز مفاجآت غير متوقعة.
رغم كل ذلك يبقى اطمئنان العقيد إلى ان ليس ثمة «خطرا» يواجهه من شيء اسمه «الجامعة العربية» التي باتت مجرد «مُحلِلِ» للناتو واستدراج التدخلات الخارجية في دول معينة دون اخرى.
إنها «نوادر» جحا التركي التي تحضر الآن.. عظم الله أجركم.