من جامعة صنعاء كانت الإنطلاقة الأولى لثورة الشباب، وكانت الخيمة الأولى عند بوابتها الشرقية جوارمجسم (الإيمان يمان والحكمة يمانية) بل إن ذلك المكان احتضن فعاليات نقابة أعضاء هيئة التدريس المطالبة بإصلاح التعليم الجامعي عام 2010م،
إذن فذلك المكان له خصوصيته وحساسيته في مواجهة السلطة، كيف والجامعات هي رائدة التغيير في مختلف مناطق العالم، ونتيجةً لتلك الخصوصية وتلك الحساسية جاءت فكرة إنشاء جامعة بديلة مشتتة في أرجاء العاصمة، والغريب أن السلطة لم تجعل للحرم الجامعي معنى عند عموم الناس حتى أن كلمة (جامعة) أصبح بالإمكان إسقاطها على أي مكان دون شروط، ومن ذلك مثلاً أن يصبح مكتوب على طبعة باصات نقل الركاب إلى أرحب (الحصبة - جامعة أرحب)، ومن المفارقات أن تسمع حالياً منادي الحافلات المتجهة من الدائري إلى سعوان يقول (جامعة سعوان)..
وبدايةً من قول ذلك المنادي نورد بعض الملاحظات عن جامعة سعوان البديلة لجامعة صنعاء.
أولاً يرتبط مفهوم الجامعة قانوناً بمسمى الحرم الجامعي، والحرم الجامعي له مواصفاته وشروطه القانونية والموضوعية المتصلة بالعملية الأكاديمية، وتلك الشروط موجودة بحدودها الدنيا في حرم جامعة صنعاء بتأصيلها القانوني،
بينما لا توجد الصفة القانونية والأكاديمية للبدائل المشتتة التي تدار من أحد مرافق التعليم العام بمنطقة سعوان، فمن الصعب أن يطلق عليها حرم جامعي فهي عبارة عن فصول دراسية للتعليم العام وخيام، تضاف إليها أماكن مستعارة من معاهد وجامعات خاصة تفتقر إلى أبسط شروط التعليم العالي الواردة في قانون الجامعات اليمنية، بل إن رئيس إحدى الجامعات الخاصة البديلة وهومن إحدى الدول الشقيقة تلاحقه تهم تتصل بتجاوزات مخلة بالعمل الأكاديمي في بلده وبعض الدول العربية، إلاَّ أنه وجد أرضاً خصبة في اليمن لإنشاء جامعة خاصة بموجب شراكة مع بعض الشخصيات النافذة، واليوم تسخر هذه الجامعة لينقل من خلالها فشله إلى اليمن!!! كما أن تلك البدائل تم إقرارها دون علم أعضاء هيئة التدريس أو مشاورتهم بصورة مباشرة أو عبر ممثلهم الشرعي نقابة أعضاء هيئة التدريس ومندوبيهم في مجلس الجامعة، وبالتالي فذلك الإجراء باطل سواء من ناحية قانونية أو بالعرف الأكاديمي.
ثانياً قد يقول البعض مجازاً ما الفرق بين أن تلقى محاضرة في خيمة أو قاعة، نؤكد أن تلك الحجة غير منطقية فالأماكن البديلة هي عبارة عن خيام وفصول تدريس تعليم عام، حتى وإن افترضنا جدلاً صحة قول أصحاب تلك الحجة فهل توجد في خيمة أو فصل تعليم عام مساحته حوالي(30متر مربع) الحدود الدنيا من الجو الدراسي من حيث المساحة والصوتيات والمقاعد والإضاءة...الخ، خاصة في ظل تخصصات يصل أعداد الطلاب فيها إلى الآلاف كما في كليتي التجارة والشريعة.
. وفعلاً في الأسابيع الأولى وعلى الرغم من حضور حوالي (10%)من الطلاب فقط، لم تتسع تلك الخيام والمقاعد لطلاب بعض التخصصات، فما بالنا إذا حضر الجميع، أما التخصصات العلمية فالأماكن البديلة لا تملك أدنى المقومات للعملية التدريسية وخاصة في ظل غياب كلي للمعامل والأدوات المعملية، وبالتالي تصبح مخرجات تلك الخيام أو فصول التعليم العام غير قانونية من منظور أكاديمي.
ثالثاً تعاني الأماكن البديلة من غياب البنية التحتية للتجهيزات المساعدة على العملية التعليمية للتعليم العالي، مثل لجان الإختبار وغرف الأقسام والإدرات المختصة بشؤون الطلاب والارشيف ...الخ، فتلك الإدارات هامة ومكملة للعملية التعليمية، وذلك يخل خللاً إخلالاً بالعملية التعلمية لأن البنية التحتية تعد مكملاً هاماً لها.
رابعاً حتى في حال قبول البعض بفكرة التدريس في الأماكن البديلة على علاتها، فإن الكل يجمع على سوء اختيار بعض الأماكن لقربها من مناطق الصراع، ومن تلك الأماكن على سبيل المثال (كلية التربية الرياضية) في شارع عمران والتي تقع في منطقة مواجهات يعرفها الجميع، حيث يتواجد أنصارآل الأحمر جنوبها والفرقة الأولى مدرع غربها، ومعسكر مدرسة الحرس ومعسكر الخرافي شرقها، ومن ثم عند حدوث أي مواجهة وفي أي وقت من النهار سيكون الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في خطر مباشر ومحقق، يضاف إلى ذلك تداخل تلك الكلية مع مخيمات من يطلق عليهم أنصار الشرعية في مدينة الثورة الرياضية، ولهؤلاء تاريخ سيء في مواجهة أنصار ثورة الشباب الشعبية السلمية، وهم المسؤولون عن مذبحة مدينة الثورة الرياضية، أو بعض المواجهات في أماكن مختلفة من أمانة العاصمة وخاصة منطقة القاع، وبالتالي فهذه المنطقة تمثل خطراً على تواجد أعضاء هيئة التدريس أو الطلاب المناصرين لثورة الشباب، وهذا ما يؤكده حتى أعضاء هيئة التدريس من الذين يداومون في ذلك المكان.
خامساً حسب إفادة ممثلي أعضاء هيئة التدريس في مجلس الجامعة فقد أكدت نقاشات غالبية أعضاء المجلس على ضرورة استئناف الدراسة في الحرم الجامعي، لعدم توفر الشروط الملائمة للعملية التعليمية في الأماكن البديلة، وأُقرذلك في محضر اجتماع مجلس الجامعة قبل إجازة عيد الأضحى المبارك، وبالتالي لم يبقَ سوى العمليات الإجرائية لاستئناف الدراسة في الحرم الجامعي وفق آلية تقرها نقابة أعضاء هيئة التدريس ورئاسة جامعة صنعاء ووزارة التعليم العالي إضافة إلى الجهات ذات العلاقة بالجانب الأمني في الحرم الجامعي وحوله، وبما يمكن أعضاء هيئة التدريس والطلاب من إتمام العملية التعليمية في أجواء آمنة.
سادساً يحاول المعنيون بنقل الجامعة إلى خارج حرمها الجامعي الاستعجال حتى في الفصل الدراسي فعلي الرغم من أن الزمن المقر للفصل الدراسي الثاني (14) أسبوعاً، فإن تقويم الفصل الدراسي المعلن من قبلهم سيخفضه إلى أقل من النصف، وذلك يفقد أي مؤهلات دراسية من مشروعية إقرارها كساعات دراسية أكاديمية، بل سيحمل المؤهل صورة دورة دراسية وليس فصلاً دراسياً، لذا فعدم الإ لتزام بالفترة الزمنية المقرة في مختلف الجامعات العالمية أو الإقليمية يجعل من المؤهلات الصادرة باسم جامعة صنعاء خلال هذه الفترة غير قانونية في محتواها كما هي غير قانونية في أماكنها البديلة.
أخيراً لقد كان قرار نقل جامعة صنعاء إلى أماكن مشتتة بديلة خطأ فادحاً كونه لم يراعِ خصوصية التعليم العالي ومتطلباته، بل إن بعض الشواهد تؤكد حالة إضطراب وإرباك غير عادية حتى على مستوى رئاسة الجامعة، ومن ذلك على سبيل المثال لأول مرة في تاريخ جامعة صنعاء، يأتي محضر لمجلس الجامعة مكتوباً بخط اليد ونسخة واحدة تقرأ على أعضاء المجلس بحجة عدم وجود كهرباء، ووجه الإرباك يتمثل في عجز رئاسة الجامعة عن توفير مولد قد تصل قيمته إلى عشرات الآلاف من الريالات، بينما تصرف حالياً مئات الملايين لتجهيز الأماكن البديلة.. وذلك يضعنا أمام تساؤلات عدة إذا لم توفر رئاسة الجامعة مولد كهرباء لتسيير أعمالها المكتبية، كيف سيكون الحال في تجهيزات المعامل والمكاتب والقاعات الدراسية؟!
ما هو مؤكد إذن أن نظرة الجهات المشرفة على نقل الجامعة إلى أماكن بديلة مقتصرعلى الخيمة والفصل الدراسي، وذلك وبما لا يدع مجالاً للشك يعكس مستوى إدراك المشرفين على تلك العملية، والذين يرون في الجامعات كتاتيب عناصرها ثلاثة (المعلم والمكان والطالب)، فالمعلم يمكن توفيره ولو من خلال تكليف بعض الخريجين بتدريس زملائهم، والمكان يمكن توفيره ولو بخيمة ولا يهم سعتها أو تجهيزاتها لذلك نجد بعض الطلاب يستمعون إلى بعض المحاضرين وهم قاعدون على الأرض خارج تلك الخيام، حسناً وبقي الطالب وهذا لا يهم فالأمور ميسرة حتى لو حضر الطلاب الساكنين جوار تلك الأماكن البديلة يكفي، لأن الزحمة ستسبب إرباكاً للمنظمين لعدم وجود خيام كافية، ثم هناك تسهيلات غير عادية فباب المساعدة مفتوح بلا حدود، فالمهم في آخر المطاف أن يقال العملية التدريسية تمت والطلاب نجحوا والأمور تمام يا فندم..
وكانت تجربة الشهادة الثانوية خير مثال على ذلك حيث تخرج الطلاب وإن كان بعضهم يجزم بصعوبة الاختبار في بعض المواد بل ويشكو أن الدراسة كانت لنصف عام فقط، ولكن وبقدرة قادر حصلوا على معدلات تفوق(90%) كيف لا ونحن في زمن التفوق العلمي والتعليم عن طريق أجهزة التحكم عن بعد (الرمونت كنترول)..
إنهم يريدون نقل تلك التجربة إلى التعليم العالي، ومن ثم سيصبح لدينا الطبيب والمهندس والكيميائي والفيزيائي الذي لا يجيد مهنة الطب ولا الهندسة ولا تجارب الكيمياء والفيزياء،لأنه تعلم عن بعد وبواسطة ملازم المعيد العنيد صاحب البأس الشديد، إننا ندعو الزملاء الذين هرولوا إلى تلك الأماكن، وهم يؤكدون من خلال تواصلنا الشخصي مهم أن تلك الأماكن غير نافعة للعملية التعليمية، أن يتقوا الله في قول كلمة الحق وأن يقف أعضاء هيئة التدريس صفاً واحداً ضد تسييس الجامعات وأن لا يكونوا جزءً من عملية التجهيل التي يتعرض لها التعليم العالي منذ سنوات، لذا يجب أن يحرص الجميع على سلامة التعليم الجامعي في الحرم الجامعي ولو بحدوده الدنيا، التي أصلاً لم نكن راضين عنها فما بالنا بما تم أخيراً من مسخ متعمد لمسيرة التعليم العالي في اليمن، في مثل ما يطلق عليه جامعة سعوان، نرجوه تع إلى أن يحمي اليمن من جور الفاسدين، وأن يمكن شباب الأمة من تحقيق طموحاتهم في بناء اليمن الجديد، يمن الحرية والعلم والمعرفة، إنه على ما يشاء قدير.