للمرة الثالثة، ينقذني سائق التاكسي من الصمت المكبل بالهواجس والهموم، وبالسؤال الرتيب ذاته: "عينزلوه؟ كيف تشوف ياعم!".. لا أدري في الغالب، بأي لغة أتحدث عن مآل واقع أقل ما يمكن وصفه بأنه أليم ومحزن.. عوضاً، عن أن علاقتي شبه مبتورة بنقاشات وسائل النقل الباعثة على تورم القلب، غير أنني في نهاية مطاف ذلك الصمت الصاخب، أجبرت على استعارة لسان باسندوه والتحدث عن القادم اليمني الجميل بكل ثقة.
لم أعلم أن سائق التاكسي كان يحضر لي مفاجئة حزينة تبلورت إثر رأيي المتفائل؛ إذ طلب مني مبلغاً غير المتفق عليه مقابل المشوار وذلك بسبب ما بدا له أنني أحمل في ملامحي حقيبة وزارية بحكومة الوفاق. ذلك أنه بنا استنتاجه على نظرة خاطفة إلى حقيبة مهترءة لـ"لابتوب" معتق، كنت فعلاً، أحملها في يدي.
لست بصدد سرد قصصي الحزينة مع سيارات الأجرة في صنعاء والتي وصلت ذروتها إلى فقدان تلفوني الجوال بأحدها قبل أيام، وهو بالطبع، جزء من ذاكرة النضال اليومي في حياتنا في اليمن . لست بصدد ذلك التنويه الساذج على الإطلاق. لأنني حدث وأن فقدت حتى توازني وليس أشيائي فقط، مع هذيان وآلام وطموحات هذه الشريحة أو غيرها من فئات شعبنا الطموح.
منذ أقسمت حكومة الوفاق اليمين الدستورية، وأنا أقسم يميناً أخرى مشابهة بأن لا أحيد عن التفاؤل بالقادم حتى لو على حساب الحقائق أو على أنقاض دقة تصوراتي المراهقة لكل جديد. من يومها، أحاول جاهدا، أن أضخ أنداء الأمل في كل زاوية، وأزرع التفاؤل في كل الأرواح.
سأبدو مبالغاً، وأنا أتحدث كما لو أنني رمز من رموز الأكوان ذو الألوان البيضاء والصفراء، أو أنني على أقل تقدير، نجم من نجوم السماء أو السياسة والسعد. لكن بإمكان أحدكم أن يعتبر الأمر بمثابة نتاج طبيعي لرياح الربيع اليمني الواقف على حافة الانتصار.
يسألني سائقو التكاسي عن أسعار البترول؛ هل سيثبت سعرها عند الـ3500 ريال؟ أم أنه سيتراجع لمستوى يرضي الجميع في كل وقت!!. وأجيبهم طبعاً، بما يرضيهم تلك اللحظة أو لنقل بما يخرسهم ويوقف من عملية اختناقي.
وإذا كان سؤال أحدهم يبدو من فرط البراءة، كما لو أنه مضحكاً أو ساخراً، لا أجد بداً من التوقف عند حد في الانسياب الشكلي للأحرف المفخخة بالأمل والتفاؤل؛ لا أجد حرجاً من أن أرد بكل تفاؤل على سؤال أحدهم: "تقول ياعم عينزّل سعر البترول هذا اللي اسمه سندوة؟ أمانة إن البترول لو استمر هكذا سعره أنو بيكون جور علينا وعليكم!" ويواصل الرجل ما يشبه التذمر المعقود بناصية الحنين لأسعار البترول الأولى: "إن شاء الله يرجع سعره لا ألف وخمس". لم أتمكن حينها، من إجبار الرجل وهو واحد من ملايين اليمنيين، على التوقف عن حديثه الفائض عن الحاجة هذه الأيام بالذات، بقدر ما أجبرت نفسي أنا على الخروج من عالمه ومن الصخب الشعبي الساخط، والوقوف عند باب رئيس حكومة الوفاق السيد محمد سالم باسندوة وأعضاء حكومته متسائلاً: ما التالي؟!!.
أقدر مسألة الصعوبات الواقفة في طريق عمل حكومة الوفاق الوطني. وأعي جيداً، حقيقة أن العراقيل تتناثر كل يوم وبكثرة، على طول الطريق المؤدية إلى ابتسامة غالبية قوى الثورة السلمية، لكن لا يجدر بمن منحناهم نحن الشعب والمجتمع الدولي معنا، الثقة العمياء أن يتأرجحوا بين الخمول والكسل. فهموم الشعب ومآسيهم وآلامهم أكبر من أن ينظر إليها على أنها مسلسل طبيعي ومتوقع لمعاناة كانت قد بدأت قبل حين.
تابعنا وبشغف تحركات وليس تصريحات باسندوة الخاصة بإعادة الحياة الطبيعية لمجاريها، على الأقل فيما يختص بالخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والمشتقات النفطية وإعادة النظر في أسعار السلع الأساسية، ولكم كان الحدث باهياً، والرجل يهاتف مسئولين في دول الإقليم يطلب منهم يد المساعدة في هذا الشأن، تماماً، مثلما هو مشهد لقاء باسندوة بعد أيام من بدء عمله رئيس للحكومة، مع مسئولين في شركات النفط الأجنبية العاملة في بلادنا.. إنه لمن دواعي السرور أن نشاهد ذلك التحرك النشط للرجل السبعيني المضمخ بهم وحب الوطن، وإنا لنأمل أن يثمر ذلك النشاط في أقرب وقت ممكن ويزيد من توسيع مكانة حكومة الوفاق وثورة الشعب السلمية في صدور الشعب المرهق بالأزمات.. إنه لمن دواعي التفاؤل والأمل أيضاً، أن نبارك ونشارك بالقول "حركاتك ياسندوة".