كان يخال كل ما سواه مخلوقات دونية، أما قوله، فقاطع وشاطر لكل قول، ولو زاده الله-تعالى- شبرا في طوله، وأوقيةً من عِلم في يافوخه لتجبر تجبر جالوت، ولطغى طغيان النمرود، وقد طمس طوال عمره الثلاثيني على كرسي منصبه كل جميل، بأيدي الخراب التي تلتصق به في كل جانب منه.
حين كان صاحب الكلمة الحرة عارف الخيواني يذرع المسافة بين دائرة التوجيه ووزارة الدفاع باحثا عن شجاع منصف يعيد إليه مرتبه الذي أسقطه عنه الشاطر "علي"، كان هذا الأخير يتربص بآخرين ليلحقوا بقافلة ضحاياه، وليكن الأمر ما يكون، فليس بمقدور أحد أن يقول-معترضا- نصف جملة: لماذا فعلت ذلك؟ لأن الجميع يعرف أن حبله معقول في وتد أعلى رجل في اليمن!!
من قال: إن علي" الشاطر" هو الشاطر "علي" فقد أصاب، فلكلٍ من اسمه نصيب، ولست مُكيلا اتهاما بدلالة الاسم الذي تحكيه معاجم الضاد، ولا مكيلا المديح الذي يبديه مدلول الاسم لدى العوام، ذلك أن بين الدلالتين قاسما مشتركا -أيضا- وهو الشطر، فكم شطَّر الأفكار والنفوس والعقول!!
إن من يتابع صحيفته الأسبوعية التي لا تعرف النور إلا بعد أن يقرأها-هو- واقفا، وقاعدا، ومنبطحا، ومضطجعا، ومنتكسا، يدرك قيمة تلك المسودة في وظيفتها المعروفة في التجهيل والتدجين، غير أن أفضل دور تؤديه أن تغدو على مدار الأسبوع كخِوان(مائدة) لطعام العسكر، وأداة تنظيفٍ للنوافذ الزجاجية في مكاتب وسيارات القادة، ومصدر استدفاء يقي الحراسات الليلية برد كل شتاء وهي تحترق حرفا حرفا، ورقة ورقة، على ما فيها من آي الله العظيم وللأسف!!
قال ذات يوم: -والوطن يتشظى من سوء فعاله وفعال منهم على شاكلته- إن أولئك العسكر الذين يؤدون أعمالهم في المكاتب والمرافق الخدمية في الجيش إنما هم "فئران مكاتب" فلما جرت العبارة جريان النار في الهشيم-استياء- استحالت بفعل نفاق زبانيته إلى طُرفة ساخرة تستوجب الضحك والقهقهة البلهاء، وتتجاهل بتآمر خبيث رد الاعتبار لرجال هم أجل قدرا ممن يصفهم بالفئران؛ لكنه دأب الطغاة وقد سمعنا مثله!!
أقول هذا وغيري يعلم أكثر مما قلت، وقد آثرت أن أُحجم عن ذكر أسماءَ من حل بهم بطش الرجل-إلا ممن أثق برضاه-: إن العقول التي توارت مؤثرة الكرامة أو تلك التي أدركها الموت حسرة وكمدا، أو التي هجرت الوطن قسرا من باطله، أو التي صبرت بانتظار الفرج، لهي له-عند من لا يضيع عنده حق- بالمرصاد، وقد رضِيتْ بما حل بها امتثالا لقدر الله، بعد أن جرت على ألسن من بقي في مقر عمله منهم ليصنعوا آخر يوم لهذا الرجل على هذا الكرسي؛ أن الداخل إلى هذا المكان مفقودٌ وأن الخارج منه مولود!!
فهل يا ترى أدرك الشاطر "علي" أو علي "الشاطر" أن الكائنات التي عصفت بكرسيه العتيد -اليوم- لم تكن فئرانا كما وصفها في أيام زهوه الأرعن، بل رجال وثقوا بقَسم الله الجبار ودعواتهم تصَّاعد إليه، فاستجاب لهم: "وعزتي وجلالي لأنصرنكِ ولو بعد حين"؟!!