أخذت قضية سفر الرئيس المنتهية ولايته علي عبدالله صالح إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعلاج نقاشا طويلا أكثر من اللازم في أروقة الإدارة الأمريكية وأجهزتها...
وفيما كانت آخر الأخبار الواردة من واشنطن ترجح أن الرئيس باراك أوباما سيتخذ قرارا جريئا بالسماح للرئيس صالح التوجه إلى نيويورك لتلقي العلاج رغم كل الاستياء الذي تبديه الإدارة من أدائه وتصريحاته وآخرها حديثه المتناقض في مؤتمره الصحفي (بأنه بخير وأنه سيذهب للولايات المتحدة بغرض الاختفاء عن الأنظار من أجل إتاحة الفرصة لنجاح الانتخابات لكنه سيجري فحوصات وربما بعض العمليات الجراحية!!)... وبالتأكيد إذا انطلى هذا التناقض على اليمنيين فإنه لن ينطلي على الأمريكان الذين لا يفهمون كيف أن شخصا يقول أنه بخير وفي نفس الوقت قد يجري عمليات جراحية... المسألة واضحة وضوح الشمس وتبدو تجلياتها في كل ما نشرته صحف أمريكية هامة ومطلعة مثل (واشنطن بوست) و(نيويورك تايمز) و(لوس أنجلوس تايمز) من مصادرها الوثيقة والمعروفة بمصداقيتها بأن الإدارة الأمريكية تجد نفسها بين خيارين أحلاهما مر، الأول هو السماح للرئيس صالح بالمجيء للعلاج بشرط عدم ممارسته أي نشاط سياسي أثناء وجوده في نيويورك وستتحمل بسبب ذلك كل الانتقادات التي ستثور في الأوساط الأمريكية بسبب هذه الزيارة كونها سمحت لرئيس عربي متهم بارتكاب جرائم قتل لمدنيين بحسب ما ذكرته هذه الصحف بالإقامة في الأراضي الأمريكية... أما الخيار الثاني فهو عدم السماح له بالمجيء بما سيترتب على ذلك من تأثير سلبي على عملية نقل السلطة وقد يؤدي إلى إعاقتها ودخول البلاد في أتون صراع عمل الخليجيون والمجتمع الدولي على تجنبه طوال الشهور الماضية... ولذلك تذهب غالبية الترجيحات إلى ضرورة الترحيب بالزيارة العلاجية للرئيس صالح لمساعدة اليمن على الاستمرار في العملية السلمية الخاصة بنقل السلطة عبر الانتخابات الرئاسية المبكرة المقررة في 21 فبراير القادم بعد أن قطعت عملية تنفيذ آلية المبادرة الخليجية أشواطا جيدة وناجحة حتى الآن.
تحولت هذه الزيارة العلاجية إلى قضية مثيرة للجدل في الأوساط الأمريكية فيما يترقب اليمنيون إتمامها بفارغ الصبر لأنهم بعد أن تنفسوا الصعداء عند توقيع الرئيس صالح على المبادرة الخليجية وبعد أن بدأت الطمأنينة تتسلل إلى نفوسهم من جديد عقب تشكيل حكومة الوفاق الوطني وتشكيل اللجنة العسكرية وبدء أعمالها بنجاح، فإن القلق لازال يساورهم بين الحين والآخر كلما ظهر الرئيس صالح ليمارس نشاطا لا مبرر له بغرض إلقاء كلمة أو إجراء حوار لا ينتج عنه سوى إثارة أسباب التوتر من جديد، كما هو حال المؤتمر الصحفي الذي عقده السبت الماضي ولم يجد المراقبون فيه أي جديد سوى توجيه الانتقادات لأحزاب اللقاء المشترك التي أصبحت شريكة في حكومة الوفاق الوطني، وتوجيه الانتقادات لشخص رئيس الوزراء محمد سالم باسندوه الذي يحظى بتقدير وطني واسع، وتوجيه الاتهامات لحكومته ولدولة قطر ودعاوى متعددة ضد الشباب المشاركين في مسيرة الحياة... باختصار كانت القراءة الواضحة للعيان أن الهدف من المؤتمر الصحفي توتير الأجواء السياسية وإعاقة عملية مناقشة برنامج الحكومة، ولولا المتابعة المباشرة التي يقوم بها سفراء دول الخليج والدول الأوروبية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لما تحقق شيء من آليات المبادرة الخليجية... وفي اليوم التالي ترأس اجتماعا للجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام بحضور عدد من القيادات الأمنية والاستخبارية في خرق واضح للدستور الذي يحظر على هذه القيادات الانتماء الحزبي، وكما لو أن هذا الاجتماع الحزبي يهدف لاتخاذ إجراءات أمنية ضد أحزاب اللقاء المشترك خاصة أن الخبر الرسمي عن الاجتماع تم تكريسه لتوجيه انتقادات ضد هذه الأحزاب الشريكة في الحكومة!
من الواضح أن بقاء الرجل في اليمن أصبح معوقا لعملية تنفيذ المبادرة الخليجية في مرحلتها الأولى التي ستفضي إلى الانتخابات الرئاسية المبكرة، وأصبح سفره للعلاج ضرورة قصوى لنجاح هذه المرحلة، تماما مثلما أن بقاءه خارج اليمن في المرحلة الانتقالية الثانية ضرورة لنجاحها والتي قال بصددها أنه ينوي العودة لممارسة المعارضة خلالها ومن غير المفهوم أي معارضة يقصد خاصة أن حزبه سيظل شريكا في الحكومة طوال هذه المرحلة، مع أن حصوله على الحصانة القضائية سيترتب عليه تلقائيا حرمانه من ممارسة أي عمل سياسي في المرحلة القادمة كما هو متعارف عليه في مثل هذه الأمور... لذلك سيتحتم على المحيط الخليجي والمجتمع الدولي المعني بتنفيذ الآلية وتجنيب اليمن الصراع أن يكون حريصا على توفير كل أسباب النجاح للمبادرة الخليجية وهذا أمر لا يمكن أن يتحقق طالما ظل الرئيس صالح موجودا في اليمن فيما أقاربه مستمرون في توليهم قيادة العديد من الوحدات العسكرية والأمنية.