ليست هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها حزب الحق للانشقاق والانقسام والخروج الفردي والجماعي، ولكنها المرة الأولى التي يذهب المنشقون إلى تأسيس حزب جديد وكيان غريب، والأغرب أن كبير المنشقين محمد مفتاح يؤكد أمام الملأ أنه لم ينشق وأن حزبه لم ينشق عن حزب آخر، وهو بذلك يمارس الكذب والتضليل من أول خطوة لتأسيس هذا الحزب الفريد.
لقد كان بوسع محمد مفتاح أن يتجاهل موضوع الانشقاق الذي يعرفه الجميع ويتجاوزه إلى قضايا أخرى ولكنه ألزم نفسه ما لا يلزم، وقال في كلمته الطويلة وخطابه الموسع "أنا أعرف أن البعض يتساءل هل حزب الأمة منشق عن حزب آخر" ثم أجاب نفسه بنفسه قائلا: "حزب الأمة منبثق من دماء الأمة وجاء من الشعب وإلى الشعب"!!..
ولي على هذا السؤال والجواب عدة وقفات وملاحظات: الأولى أن مفتاح صدق في طرح السؤال وعرض التساؤل عن أن حزب الغُمة منشق من حزب الحق وهذا حق ومن حق مفتاح والديلمي وغيرهما الخروج من حزب الحق وتأسيس حزب أو الالتحاق بأي حزب، ولكن المشكلة أن رئيس الحزب الجديد رد على السؤال وأجاب عن التساؤل بصورة استفزازية وطريقة بهلوانية وحركات "نصراوية" نسبة إلى نصر الله فقد أجاب على السؤال بصوت مرتفع وبحركة اليد التي يفعلها قادة حزب الله اللبناني الشيعي، وفي لحظة الحماس وبصوت عالٍ وحازم قائلاً: "حزب الأمة منبثق من دماء الأمة"!! وهذه العبارة الخرقاء والإجابة الحمقى جعلت المتابعين والمراقبين والمحللين السياسيين والأطباء النفسيين في حيرة وذهول من قصد الرجل ومعنى كلامه وتفسير قوله:"منبثق من دماء الأمة" كيف ولماذا ينبثق حزب من دماء الأمة؟ وأي دماء وأي أمة؟ وإذا كان تأسيس الحزب على الدماء والأشلاء فكيف ستكون مسيرته وخاتمته؟.. هذه الملاحظة الأولى.
أما الثانية فإنها تتعلق باستغلال محمد مفتاح لموقعه السابق كقيادي في حزب الحق ورئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر العام الأول، فبدلاً من أن يقوم بعمله ويؤدي الأمانة التي عليه قام باستغلال موقعه والعمل ضد حزبه القديم وشق صفوفه واستقطاب أعضائه لحزب الجديد، وحسب ما قال القيادي في حزب الحق عبدالواحد الشرفي فإن هذا التصرف من محمد مفتاح يؤكد عدم استيعابه لقواعد العمل السياسي والتنظيمي وقيم التعايش والتسامح!!..
والملاحظة الثالثة متعلقة بكلام عبدالواحد الشرفي الذي يثبت وجود انشقاق كبير وانقسام حاد، ليس فقط في حزب الحق وإنما في المنظومة التي ينتمي إليها الطرفان المنشق والمنشق عليه، وهذا يذكرنا بالانشقاق الذي قاده حسين الحوثي أوائل التسعينات وخروجه مع أعداد كبيرة من حزب الحق وتأسيس تيار جديد وحركة مسلحة، وجماعة متمردة وتابعة لإيران، وبالتالي فإن حزب الغُمة الجديد يمثل التيار الشيعي الأكثر تطرفاً، ويجمع الغلاة والمتشددين، والأكثر قرباً وتقارباً مع الحوثيين والأكثر تبعية وارتهاناً للإيرانيين، وهذا لا يعني أن الحزب الجديد يمثل الجناح السياسي للمتمردين الحوثيين في اليمن وإنما هو جيب من الجيوب وأداة من الأدوات ومعول من معاول الهدم ومفتاح من مفاتيح الشر وباب من أبواب الفتنة ومصدر من مصادر العصبية الطائفية والسلالية والتبعية للثورة الإيرانية والمدرسة الخمينية.