المتعاطفون مع مطالب أهالي اليمن الجنوبي في الانفصال عليهم اليوم أن يعيدوا قراءة المشهد، وعلى قبائل الجنوب أن تتفهم بوضوح أن دعوة آخر رئيس للجنوب علي سالم البيض ليست في محلها أو توقيتها السليم، كما أنها تناقض نفسها، فالبيض يطالب بالانفصال لأن علي صالح قام بدفن وحدة اليمن، وإذا كان يرى الظرف مناسبا الآن لإعادة طرح الاستقلال بالجنوب فإن ذلك يمثل انتهازية سياسية ويقفز عن أسباب مشكلة الجنوب.
تعامل صالح مع اليمن الجنوبي على أساس الحديقة الخلفية لحكمه في الشمال، وكانت المناصب السياسية والأمنية الرفيعة في المحافظات الجنوبية تناط بالمقربين من صالح، الأمر الذي أثار شعور الجنوبيين بالغبن والظلم، وكان الانتاج التجاري للنفط في الجنوب مسألة أثارت مزيدا من التذمر في صفوفهم، فبينما يستفيد صالح وجماعته من عوائد النفط فإن الجنوبيين لم يخرجوا بشيء من ذلك، وساءت أوضاعهم وبقيت البنية التحتية لديهم على الحال الذي انتهت إليه قبل الوحدة.
اليمن في مرحلة ما بعد صالح عليه أن يعيد الترتيب وبناء الدولة الجديرة بالبقاء باستقلال في هذه المنطقة الحساسة من العالم، فاليمن الضعيف هو الذي أتاح أن تتحول أراضيه مرتعا خصبا للقاعدة وسواحله مشاعا أمام القراصنة، وحالة أهل الشمال ليست بأفضل من أحوال الجنوبيين، فالجميع يتقاسمون ثمار التخلف والفقر بعدالة.
انفصال الجنوب يعني أن يقع في فراغ هائل يشبه الوضع الصومالي ويقترب منه، قبائل مسلحة بكثافة، وجود كثيف للقاعدة، غياب جيل مؤهل من الساسة ورجال الدولة، عدم تجانس بين الجنوبيين أنفسهم، وجود العديد من الدول التي تمتلك مصالح مختلفة ومفترقة على أرض الجنوب، الخليج وإيران والولايات المتحدة تحديدا، بمعنى إطلاق أرض جديدة للصراع وتصفية الحسابات وممارسة لعبة تكسير العظام، تضاف إلى ما يجري في العراق وسوريا ولبنان.
الفرص الأخرى لدى الجنوبيين تستحق أن ينتظروا وأن يندمجوا في الحراك السياسي الجاري في اليمن ككل، تحت نفس الراية ونفس الشعارات، فتدخلهم من ناحية يحسم مستقبل الصراع بين أنصار صالح والمستفيدين من نظامه وبين القوى الثورية الساعية للتغيير، ومن ناحية أخرى يبقيهم في إطار عملية واسعة من تطوير البنى السياسية الذي يمكن أن يؤدي إلى تطوير المجتمع ككل ومنحه الفرصة لأن يتقدم في ظل دولة قوية ومتماسكة.
لدى اليمن الجنوبي مصادر دخل واسعة يمكن أن تجعله يتجاوز العديد من المشاكل الاقتصادية، النفط والملاحة والصيد والزراعة وحوالات المغتربين من حضرموت الذين يشكلون قوة تجارية كبرى في الخليج العربي، ولكن ليس لديه إمكانية أن يكون قوة مؤثرة تستطيع أن تحتفظ باستقلاليتها في منطقة ساخنة من العالم، وليست الثروات في النهاية هي التي تحفظ الأمن والاستقرار وتبني الدولة الحديثة، فهذه الثروات يمكن أن تتحول إلى نكبة ونقطة ضعف كما حصل في ليبيا، واليمنيون في الجنوب والشمال يمكن أن يحققوا التكامل تجاه إدخال اليمن إلى العصر الحديث.
يحتفظ الجنوبيون بحقهم في تقرير المصير، ولكن الأهم أن يتمسكوا بحقهم في تقرير مصير اليمن ككل، لا أن ينتظروا نتيجة المعركة السياسية في الشمال، وإن يتعاملوا في هذه المرحلة كمواطنين لهم جميع الحقوق وعليهم جميع الواجبات لا أن يهمشوا أنفسهم بعد غياب صالح الذي أقصاهم طويلا.