صديقي الرَّئيس .
أمَّ بعد ؛
أكتبُ إليكَ رسالتي ليس معاتباً ، بل غاضباً وحزيناً ومتألماً عليك .
وللأمانة ..
تألمتَ كثيراً .
لا أخفي أحساسي - كأنسان - في التألم على الرَّجل الذي فوَّتَ على نفسه ، وأسرته ، وعائلته ، فُرَصَاً تاريخيةً عظيمةً ، كان يمكنه - لو إنتهزها كعادته في اقتناص الفرص كما عهدناه - أنَّ يُمَدِّدَ رجليه في أحد أبهاء التاريخ . كيف فاتَتْهُ تلك الفرصة .. لا أدري حقيقةً !
ولقدْ ظِلْتُ أبحثُ عن وطن منذ 94 ولمَّا أجدْ .
لكن حزني وألمي عليك أقل بكثير على الشهداء والمعاقين ، والفقراء المساكين في أرض التبابعة والفاتحين .
كان بالإمكان أنْ يتجددَ ، لو إقتنص إحدى تلك الفرص . ولقد كانتْ الفرصة تُلوِّحُ له باقتنائها ، واقتناصها ؛ حين خرج الشبابُ وخرجتِ الناسُ ، منذ البداية إلى الشارع في اليمن ، يطالبونه بالتنحي ، والتنازل عن السلطة . ولو كان فيه شيءٌ من العقل ، والحصافة ؛ لعرفَ أنَّ هذا الشبابُ وهذه الناسُ هي من أكبر منجزاته .
أنْ تصلَ الأمةُ كلها إلى الحالة النفسية لأنْ تقولَ ( لا ) .. في حالة رفضٍ كاملةَ الأركان ؛ لإثباتِ الحالةِ الإنسانيةِ في البلوغِ درجةَ القدرةِ على الإستغناءِ ، التي تضعُ الناسَ في موقعِ القادرِ على الرفض ؛ ومن ثمَّتَّ في مجالِ المستطيعِ أنْ يختارَ ؛ فذلك للأمانة مِنْ أعظمِ إنجازاتهِ على الإطلاق ، في مدى ثلثِ قرنٍ من عمره السياسي كحاكمٍ في اليمن !
بالإنجازاتِ يتمُ الإنسان - عامةً - قيمته ومشوارهُ في حياته : وبالذات لو كان حاكماً يبدو أكبر أمامَ ناسهِ ، وتاريخهِ ؛ لينام هادئاً قرير العين . والطريقُ ، والإسمنتُ ، والإسفلتُ ليستْ إنجازات ؛ إذا نام الإنسان فوقها حين لم يجد من يحترمهُ كإنسان ؛ فتسقط جميعا مهما بدت الطريقُ مسفلتةً ، والمباني شاهقةً ، بينما الإنسانُ منزوعَ الكرامةِ ، بلا وطن في وطنه !..
وهو دائماً ما يرددُ ذكرَ إنجازاته . ولا يذكرُ أبداً ماذا قدمَ للإنسان . وهذه مأساة . بل كارثة !
والفرصة الثانية فاتَتْهُ حين لم يعتذر للناس بشكل رسمي ، كحاكم لهذا الشعب لثلث قرنٍ ، في خطابِ إعتذارٍ متلفز ، من القصرِ الجمهوري ، وتحت العلمِ اليمني في مكتبِ الرئيس - كرئيسٍ أخطأَ في حقِّ شعبه .
كان بالإمكان أن يفعلَ ذلك ؛ لو كان شجاعاً وتيساً كما لقَّبوه . وليس بالإمكان أنْ يبحثَ عن وطنٍ ، وهو الذي هَدَمَ وطنه ، وإساءَ لشعبه ؛ وأبكى التاريخَ ؛ والتاريخُ إذا بكى ستظلُ لعنتهُ تلاحقهُ مطاردةً إيَّاهُ إينما ذهبَ إلى يومِ القيامة . ومن عدلِ اللهِ في الدنيا - وهو العدلُ كله - أنْ يرَ المظلومُ ظالمَهُ وهو يبحثُ عن وطنٍ يأويه !
نهايةٌ صنعها الظالمُ بنفسهِ لنفسه . والشعوبُ تبقى . وهو ناموسُ الله وقضاؤه العادل ؛ في نهايةٍ محزنةٍ فوقَ طاقةِ عيونِ المأساة !
ما حزنتُ عليه إلا لأنه يمني يبحثُ عن مأوى مثلي ومثل ملايين اليمنيين في أصقاع الأرض ، وأركان الدنيا ، في مقاهٍ يبحثون فيها عن موبٍ من القهوة بنكهة اليمن الأصيل وبُنِّهِ الحزين . فهل سيجد ذلك الكوب من القهوة ؟! ملايينه لا تساوي ذلك الكوب الأصيل ، ونكهة تلك القهوة ، في صباحٍ يماني جميل .
وتلك قصة مأساتنا التي صنعها هو بيديه .
اللهم لا شماتة .
أستغفرك ياالله !
عبدالكريم عبدالله عبدالوهاب نعمان .
في 24 يناير 2012