ضجيج زائد يذكرني بزحمة رمضان عندما كنت اعمل في معرض ولدي الجميع يكتبون ويتحدثون عن الدولة المدنية وخطرها علي المجتمع اليمني [ مع أنها لن تحل حراما أو تحرم حلالا].. أي خطر يا جماعة اكبر من خطر عصابة صالح التي نهبت كل شي في هذا الوطن لم تترك لنا سوى دموع با سندوة الرجل الصادق الذي أبكانا جميعا في لحظات رائعة -رغم كل الحزن- لأنها فاصلة في تاريخ اليمن الجديد..
يمن باسندوة وتوكل كرمان ووليد العماري وشباب الثورة يمن الإرادة والحلم.. على أنني اشعر بالغثيان وأنا امشي في شوارع صنعاء وكأن اليمن ملخبط كما هو حال شوارعنا تماماً وهذا كمثال بسيط ، فهذه هي تركة الرجل المريض الشرير في كل مرافق الدولة مدنية وعسكرية.
بكى اليمن بأسره في عيون باسندوه لكن بقايا النظام كانوا يضحكون فافتضح من يكره اليمن ومن يحبها في لحظات بسيطة وموقف نادر في التاريخ..
كان احد البلاطجة يقول "خلو دموع باسندوة تنفعكم وتلصي لكم الكهرباء " حاولت أن أدافع عن الرجل الصادق في الزمن الكاذب لكني آثرت السكوت وقلت "خير انشاء الله ".. كان ذلك بشارع حدة في احد المطاعم كنت حينها أتناول وجبة غداء راقية فرحا برحيل صالح وقلت في نفسي اليوم أعيد ذكريات بيروت والقاهرة وأتناول الأكلات الباهظة الثمن واشرب عصير بمصاص والبس البذلة الأغلي ثمناً حتي أني كنت قبلها في كلية الأعلام مع احد الزملاء في زيارة تفقدية واجهتني بعض الطالبات وهن يتهامسن ويتحدث علي شاب يلبس بذلة سوداء أنيقة مع كرافتة شبابية لكن في عز الظهر.. كان يوسف واحمد يقولان أنني ملفت ووسيم لكني انصدمت أمام تصريحات بعض البنات الدارسات في قسم الإعلام احدهن قالت وهي تضحك (يمكن أن اليوم خطبتة )والثانية قالت حرم عليك الدنيا شمس وأنت مزرزر ارحم نفسك.. كان صديقي احمد الولي يريد إعادة الروح المعنوية التي فقدتها أمام تصريحات الطالبات الجريئات.. كانت احدهن تمشي من أمامنا وقال بصوت متهكم عال تقصد أن تسمعه (والله انك يا مختار أحسن منها )عندها نظرت لي نظرة مقارنة يبدو أنها اقتنعت بذلك من خلال إشارتها لي ؟
بعد كلام البنات ومحاولتي السيطرة علي الروح المعنوية العالية بالفرح برحيل صالح علي طريقتي الخاصة أخذت تاكسي وكان يقول لي كيف أخبار الثورة لأني خرجت من الساحة وقال ايش أعجبتكم الجلسة هنا.. خلاص اتروحو لكم يكفي قلت له يهدو وبنفسية مرتعشة وفاقدة لتوازنها لن نغادر حتي تعود الكهرباء كسبب يقتنع فية السائق المسكين بعدها قال صدق اجلسو حتي نبصر الكهرباء وصلت مطعم فخم أغلب زبائنة مسؤولين وتجار وهاهي هاي وانا كنت معهم ليوم واحد فقط تذكرت أني تغديت يوما ما بصبحة أمل الباشا وعبدالكريم الخيواني وبعض الزملاء بعد مؤتمر صحفي حول المعتقلين في السعودية حاولت تذكر أسماء بعض الأكلات أيقنت أني مازلت ابن الريف الذي يرفض إغراء التمدن برغم شكلي وملابسي لكني قلت للمباشر بصوت خافت " معاكم فحسة " بعدها طلبت أكلي واشتريت (تورتة )من محل مجاور وقمت بعزيمة من كان بجواري لا اعلم لماذا قمت بذلك ، لكنها فرحة المغادرة كنت أقول لمن هم حولي مبروك عليكم جميعا صالح قد وصل لسلطنة عمان ولن يعود لليمن سوف نبني دولتنا اليمنية الحديثة المدنية ، دولة النظام والقانون بعيدا عن المشائخ والقبيلة واللامواطنة.. كنت اشرح لهم وكأني اشرح لهم درس في الكيمياء لم ينقصني إلا سبورة وقلم وأعطيهم واجب يحضروه عندما يرحل " احمد علي" لأني سأكون في نفس المطعم وسوف أعزمهم ولو ديناً علي نفس الحلوى وأعطيهم قطعة الجاتوه..
أثناء حديثي عن الدولة المدنية التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية إذ بشيخ يدخل للمطعم ومعه مجموعة من المرافقين الجلفين قلت لهم هذي هي الدولة المدنية حق علي عبدالله صالح..
تحدثوا المشائخ عن خطر الدولة المدنية وإنها حق اليهود والنصاري.. قلت في نفسي لما يحرمنا البعض حتي الحلم بدولة مدنية واقصد بدولة مدنية كدولة النظام والقانون وان لا يحكمنا [عسكري للأذى فطنُ كأن إبليس للطغيان رباه] بحسب التوصيف الشهير لأبي الأحرار محمد محمود الزبيري..
نريد دولة مدنية الجميع فيها سواسية لا يعتدي فيها علي احد.. دولة ضد التخلف ومع التنوير.. الجميع تحت طائلة المحاسبة والمعاقبة..
لكن هل يبدو أني متفائل أكثر من اللازم ؟ هل احلم في زمن غيري ؟
مع ذلك سأناضل و احلم بزوال الفاسدين أصحاب الموكب والفلل والأرصدة البنكية اللامحدودة وأصحاب المرافقين الذين يقطعون الرزق مش بس الطريق.. احلم بدولة مدنية حتي لو حاول الشيخ عارف الصبري أن يقنعني بحرمة الدولة المدنية
دولة عصرية.. دولة إنتاجية.. دولة لايباع فيها السلاح كالماء.. دولة يتساوى فيها الجميع أمام القانون.. دولة ضد سجون الشيوخ وضد الهمجية والغشم وهدر الحقوق.. دولة مع التمدن والتطور والرقي فكل العالم قد تجاوزنا ونحن بسبب علي صالح كنا في أسفل سافلين بين الأمم وعلى كافة المستويات حتى أننا لانصنع ملخاخ ياجماعة.