قبل مغادرة الرئيس علي عبدالله صالح لاستكمال العلاج، كنت لا أرى حرجا في نزول المشير عبدربه منصور هادي مرشحا بلا منافس خشية أن يكمن الالتفاف عبر مظلة التنافس... اليوم، أرى أن الوقت، على ضيقه، لازال يسمح بجعل الانتخابات الموشكة في اليمن، "انتخابات" وليس استفتاء.. لتعزيز شرعية هادي ولضمان نسبة مشاركة أعلى، ورفع سقف الوعود المبذولة للجمهور الناخب، وكذلك لقياس نسبة الحجم الشعبي للموقعين على المبادرة مع غيرهم المستقلين، بحيث يشعر الجميع أن الاستحقاق هذا يستغرق الكل ويمثل الكل.
من الحكمة ألا يرتضي هادي لنفسه النزول كمرشح وحيد، ومنتهى الثقة والشجاعة أن يبادر هو للضغط من أجل إتاحة التنافس من خارج دائرة الموقعين في 23 نوفمبر. كما أن على الأطراف الشقيقة والصديقة التي ترى في نجاح الانتقالة اليمنية عبر المبادرة الخليجية نجاحا سياسيا لها، عليها كذلك ألا تتهاون مع تواطؤ البعض ورضاهم بمهرجان المرشح الأوحد، لأن مثل ذلك يمثل شائبة في ثوب المبادرة لا موجب لها ولا داع.
أسوأ ما تركته ثقافة النظام الغارب أنها باتباعها أسلوب النكث، أورثت الكثيرين في اليمن خوفا دائما ووسواسا قهريا يلازمهم ولا يستطيعون معه التفريق بين جنون الموج ورسوخ الساحل. وأظن، بل أكاد أجزم، أن السفينة الآن أفلتت من غضبة الموج، لكن عيون الكثيرين لم تصدق بعد، أن رمال الساحل مسافة خطوة.
لا عودة لما فات، وسنة الله في التدول هي ما نعيشه الآن ونحياه.. ولا شيء، إذن، يمنعنا من أن نبدأ من جديد بداية صحيحة.. ولازال بالامكان الاستدراك.
لا شيء يوازي الآن، شوقي لليوم الذي أراه فيه المشير عبدربه منصور هادي رئيسا للجمهورية لليمنية، لكنني سأكون أكثر اعتزازا في ذلك اليوم، إذا جاء صعود هادي باعتباره كان الخيار الأفضل أمام الناخب اليمني وليس لكونه الأوحد.
سيقول قائل: ماذا لو لم يفز هادي؟ أقول: بالكاد يكفي الوقت المتبقي لتحسين الديكور الانتخابي وليس لحدوث الخوارق.. نسبة هذا الاحتمال واردة، ولكنها تماما مثل نسبة وقوع الحادث لكل من يركب أو يقود سيارة.. ولو أن كل الناس تركوا ركوب وقيادة السيارات بسبب اشتمالها على احتمالية الحادث، لعاد الناس إلى زمن الحمير.
وسيقول آخر قولا أكثر وجاهة متسائلا عن من هو المنافس، وكأنه لا أسماء إلا ما تحويه الأحزاب أو من تفرخهم الأحزاب!! فقط دعوا الباب مفتوحا وأبشروا بوجوه تجعل للتنافس والانتخاب "طعما وشمّا". وهنالك سنشعر بالأمان أكثر حينما لا نحمل معنا مخاوف الماضي إلى رحم المستقبل.
من حقنا أن نحرص، بالمعقول والمشروع، على أن يكون لأصواتنا معنى نرجح بها كفة على أخرى.. ومن حق الرئيس القادم أن يكون كامل الشرعية موفور الجناب، ومن حق الذين لا يريدون هادي أن يرشحوا غيره، ومن حق محبي هادي أن يشعروا بأهميتهم وأهمية مجهودهم لأنهم يواجهون منافسا له.
والخلاصة أن هذه الأسطر ومضة للمشير هادي قبل غيره، أنه مخير بين صعودين أحدهما يليق به.