مشيت أمس من وسط مديرية مستبأ ومن أطراف عاهم، المديريتين اللتين يقال أنهما سقطتا في يد الحوثي إلى جانب مديرية بكيل المير. في الحقيقة هذه المديريات لم تسقط بالمعنى العسكري، لأنها امتدادات شاسعة لسهل تهامة، لا يسكنها إلا عدد ضئيل من البشر، لم تسجل الدولة حضورا يكفي لئلا تسقط مديرية في يد خمسين مسلحا مثلا يهتفون، إنها سهول جرداء يعيش سكانها على الرعي، وهي أراض متاخمة للمرتفعات التابعة إداريا لمحافظتي صعدة وحجة. والمديريات الثلاث حسبما علمت شافعية المذهب. وهي خانات شاغرة وبحكم القرب الجغرافي تكفلت أصابع الحوثي بتعبئتها بألوانه.
عموما، في تلك المناطق التي مررت بها تبدو المأساة للناظر متجاورة على نحو مدهش مع الملهاة. الجدران مطلية بالشعار، مطلية بكثرة.
قلت لنفسي هذه ثورة الطلاء الاسلامي الحوثية تغمر الأماكن المحيطة بصعدة. شعارات كثيرة منقوشة على جدران المساجد والطرقات والمدارس، وفتيان يزج بهم إلى معصرة النزاع مثل ثمار غير ناضجة، فيجيء العصير مريرا مرارة لا تستساغ، فتيان بالبنادق وشرائط الذخيرة يحرسون النقوش وينصبون نقاط التفتيش.
لكأن صعدة تفيض على ما حولها، أو أن الحوثي قرر تصدير ثورته داخل جرادل رانج. لم تمتلئ صعدة بالحوثي لكن تسيطر عليه الرغبة في أن تلوح صعدة وكأنها تقطر حوثية!
خلصت إلى أن الحوثية في أشد تعبيراتها صدقية، هي كليشيه وجردل رنج يقود جحافل من المجاهدين وهناك دائما سيارة شاص بمكبر صوت تجوب المكان.
لكن الرنج المقدس حينما يتدفق يتدفق مثل حمم بركان، حتى لا يكاد الانسان يملك حياله غير أن يحزم أمتعته ويخلي له المكان صاغرا. هكذا شاهدت مخيمات نازحين على ضفتي مستبأ، من جهة خيران المحرق ومن جهة مثلث عاهم.
لماذا حيثما تقدم الحوثي وبأي اتجاه في اليمن تقوم على مقربة منه مدن من المشردين، ومعها مشاهد لأطفال سمر يرضعون إبهامهم ويحدقون في الغرباء بلا سراويل.
يخطر لي الآن الاستاذ محمد المقالح وبيده جواب طارف يحمي به صورة الحوثي في ذهنه من أن تتعرض للاهتزاز ولو قيد أنملة. يخطر لي وهو يستحضر فظائع القاعدة وحروب حزب الاصلاح وعلي محسن وحتى قد يأتي بذبيح الله مجاهد من افغانستان.
لكن ياأستاذ، ولعلك تدري علو قدرك في نفسي، اسمح لي أن أشعر بأن استحضار قبح هؤلاء وحده لا يجعل مما يقوم به الحوثي عملا يمكن تمريره في زحمة المفاضلة بين تدرجات القبح! ثم ما شأن زخيم بذبيح الله مجاهد؟