[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

خرافات فك ارتباطية تدحضها حقائق تاريخية (5)

الخرافة الخامسة: لا توجد مناطقية في الجنوب

بحكم القرب الجغرافي لمحافظتي لحج وأبين من عدن المركز السياسي والإداري للحكم سواء قبل الاستقلال أو بعده، وبحكم تكوين حركة القوميين العرب، ومن بعدها الجبهة القومية فإن أغلب قيادات الثورة والدولة جاءت من هاتين المحافظتين (خاصة من ردفان والضالع والشعيب بالنسبة للحج) ومن (دثينة ودلتا أبين) في محافظة أبين.. كما كان لحضرموت وشبوة نصيبهما في القيادة وفي التحالفات، كما لأبناء المحافظات الشمالية القاطنين في عدن.

ولكن التنافس السياسي الذي ظهر لاحقاً بين المحافظتين الثانية (لحج) والثالثة (أبين) بالمعنى ظهر لاحقاً؛ لأن بعض المختلفين في الرؤى السياسية ينتسبون تلقائياً إلى مناطق جغرافية مختلفة على رأسها هاتان المحافظتان كما أسلفنا.

أبرز القيادات السياسية الأولى للثورة والدولة كانت من (لحج): قحطان الشعبي في رئاسة الدولة الأولى للاستقلال، فيصل عبداللطيف - رئيس الوزراء ، علي عبدالعليم - عضو اللجنة التنفيذية والقيادة العامة، سيف الضالعي - وزير الخارجية، محمد أحمد البيشي - عضو اللجنة التنفيذية، وذلك بحكم أنهم كانوا أيضاً من أبرز قيادات الجبهة خلال الكفاح المسلح من أجل الاستقلال.

بعد إقصاء قحطان ومجموعته فيما عرف بصراع اليمين واليسار، رغم أن هذا التوصيف لم يكن دقيقاً بل استخدم لإقصاء الخصوم السياسيين ضمن الصراع السياسي الذي لم يكن بين المحافظتين الثالثة (أبين) والثانية (لحج)؛ لأن الاصطفاف شمل كل القيادة من كافة المحافظات والمناطق.

كان الخلاف بهذا المعنى حول طبيعة المرحلة والبرنامج السياسي الأصلح لبناء الدولة والمجتمع في الجنوب بعد الاستقلال خاصة في مرحلته الأولى.

وبعد إزاحة المجموعة القيادية التي كان يقف على رأس الهرم فيها قحطان الشعبي وفيصل عبداللطيف فإن القيادة الجديدة التي أتت بعد حركة 22 يونيو 1969م كانت من نصيب أبين خاصة في رئاسة الدولة والحكومة سالم ربيع علي رئيس مجلس رئاسة، ومحمد علي هيثم رئيس وزراء، وبعد استقالته عين في هذا المنصب علي ناصر محمد.

لكن القيادة الجديدة لم تكن خالصة كلها لأبين كما لم تكن القيادة السابقة خالصة للحج؛ إذ ضمت قيادات من لحج خاصة من الضالع مثل علي أحمد ناصر عنتر، وفيما بعد علي شائع هادي وصالح مصلح قاسم. كما ضمت القيادة قيادات من حضرموت أمثال حيدر أبو بكر العطاس وعلي سالم البيض وحسن باعوم وعبدالله البار وسواهم.
كما كان للشماليين نصيبهم من القيادة عبدالفتاح إسماعيل (أمين عام وعضو مجلس رئاسة) ومحمد سعيد عبدالله (محسن)، وعبدالعزيز عبدالولي، ومحمود عبدالله عشيش، وراشد محمد ثابت (أعضاء في المكتب السياسي واللجنة المركزية ووزراء).. وسواهم..

كل هؤلاء كانوا مشاركين في السلطة وفي صناعة القرار، إذ كانت السلطة الفعلية بيد اللجنة التنفيذية، وفيما بعد بيد المكتب السياسي علماً أن أعضاءه يتم انتخابهم من اللجنة المركزية التي تنتخب بدورها من المؤتمر العام للتنظيم أو الحزب، وغالباً ما يتم ذلك بالتوافق والتراضي أو بحسب موازين القوى القائمة الحزبية والسياسية والعسكرية أو طبيعية التحالفات السياسية، وليس القبلية أو المناطقية على الأقل في الظاهر، وإن كان تأثير هذا العامل بهذا القدر أو ذاك بحكم إرث تاريخي يصعب التغلب عليه.

لكن عند العودة للصراع الذي اتخذ في بعض مساراته للطابع المناطقي فإنه كان في جوهرة سياسياً، وعلى أساس البرامج والسياسات الداخلية والخارجية، غير أن الانتماء المناطقي للمتصارعين يجري استغلاله أحياناً للحشد والتجييش مثلما يستغل الاختلاف الطائفي لتحقيق أهداف سياسية في بعض الدول الأخرى.
أما في جنوب اليمن فقد كان الموقف من قضية الوحدة اليمنية ومازال حتى يومنا هذا أساس معظم الخلافات بين اتجاهين.. بين من كان يرى تحقيقها بواسطة الحرب والقوة على أساس برنامج ورؤية الحزب والنظام في الجنوب لبناء يمن ديمقراطي موحد، وبين من كان يرى تحقيق الوحدة عبر الحوار وبالطرق السلمية.. كما كان الخلاف في أحد أو جهة يتعلق بالعلاقة مع الجيران، وتحديداً مع السعودية وسلطنة عمان، كما كان الصراع من جهة أخرى يدور حول طبيعة العلاقة مع الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية، وحول الخلاف الصيني – السوفيتي، والعلاقة مع الولايات المتحدة والغرب عموماً، وكذلك حول الموقف من الجبهة الشعبية لتحرير عمان وتحرير الخليج عن طريق دعم اليمن الديمقراطية للجبهة وغيرها من الحركات المناوئة لحكوماتها، وأيضاً حول الموقف من الجبهة الوطنية التي كانت تخوض حرباً مسلحة مع النظام في الشمال في المناطق الوسطى من الجمهورية العربية اليمنية.

باختصار كان الصراع بين منطلقين ورؤيتين.. بين من يريد إخضاع الدولة لمنطق الثورة، وبين من يريد الفصل بين منطق الثورة ومتطلبات بناء الدولة بما يؤمن لهما ظروف التطور السلمي والمرونة السياسية اللازمة لنسج العلاقات بين الجيران وبقية دول العالم، لما في ذلك من منافع سياسية واقتصادية ولتحقيق الأمن والاستقرار لها وللمنطقة.

بين من يريد تصدير الثورة إلى دول الجوار، ويرفع شعار تحرير دول الخليج والجزيرة والشمال، وبين من يقول: إن ذلك ليس شأننا بل من شأن شعوب تلك البلدان، وعلينا الاهتمام بشؤوننا الخاصة وعدم التدخل في شؤون الغير.

زر الذهاب إلى الأعلى