المتطرف دائماً أعمى ، سهل استخدامه لأنه ضيق الأفق والرؤية ، لا يستطيع النظر إلا من زاوية واحدة . المتطرف غير قادر على الإحاطة بالأبعاد الكاملة للمشهد وآفاقه ومحركاته. ومن هذا المدخل تحديداً يبدو أن «البقايا» تمازجت وتداخلت مع الفصيل المتطرف في الحراك الجنوبي، في تكرار مكشوف وفاشل لتقاطعاتها مع الحوثيين في صعدة، وأنصار الشريعة في أبين.
والمتطرف المتعصب أيضاً يسهل استتباعه للاعب إقليمي جاهز ومعني بالطلب «إيران» التي جمعت البيض والحوثي وربما أنصار الشريعة في سلة واحدة، ويبدو أن استواء هذا الثالوث المغلق فوق أرضية اليأس مع اقتراب أفول النظام الفاشل الذي وفر لهم مبررات الوجود ، ومع عودة الأمل بنهوض المشروع الوطني الجامع الذي فتحت آفاقه ثورة 11 فبراير السلمية جعل كل الخيارات أمام هذه التكوينات المغلقة متماثلة، ففي نظر اليائس يستوي الموقف ونقيضه، ضد النظام أو التحالف مع بقاياه ، مع إيران أو حتى إسرائيل!.
وعموماً تتجلى زوايا المثلث المتطرف باعتبارها أعراضاً للمرض الموجود في الرأس ، وستأفل مع نهايته لأنها تفقد مبرراتها ، وما تتوكأ عليه من قضايا سيغدو مهمة وطنية على جدول أعمال الحوار الوطني، غير أن استكشاف محركات الفصيل المتطرف في الحراك ، وتقاطعاته مع «البقايا» هنا، والعمائم السوداء «هناك» لا معنى له إن لم يشر إلى غياب الوعي هنا على شاكلة الجماعه لفك ارتباطية الطائحة في الكل وضد الكل ومن دون رؤية أو بقية من رشد.
إحراق ساحة الثورة السلمية الشبابية في عدن ، مضاف إليه الهجومات المسلحة على بعض اللجان مؤشر مهم لموقف فصيل متطرف من مكونات الحراك سيكون خطأ فادحاً التعامل معه بخفة، وحصره بإلقاء اللوم على «البقايا» فقط .
الدلاله الأولى أن هذه التصرفات قامت بها بعض مكونات الحراك المتطرفة والتي ترفض الآخر حتى وإن كان جنوبياً وعلى استعداد لاستخدام العنف ضده لقسره على الإذعان لوجهة نظرها.. الدلالة الثانية أن هذه التصرفات الطائشة واستخدام العنف يكشف عن هشاشة حضور هذه القوى وضعفها وعدم امتلاكها المبررات والحجج لتسويق وجهة نظرها بمقاطعة نقل السلطة، والأهم من ذلك انعدام ثقتها بالشارع الجنوبي ويأسها من المراهنة على استجابته لخيارها الذي يبدو وكأنه دعوة للذهاب إلى المجهول . هنا يبرز هؤلاء وقد ألغوا من حساباتهم أصحاب القضية التي يرغون ويزبدون ويحرقون ويعتدون باسمها، فالدور الوحيد للجنوبيين بنظرهم هو المضي خلف الزعيق المهترئ للجماعات الغوغائية التي بدأت باستهلاك رصيد الحراك السلمي، وتغييب القضية الجنوبية تحت ضجيج همجيتهم . آخر ما يمكن أن تحتاجه قضية عادلة كالقضية الجنوبية هو هذه التصرفات الغوغائية لحمقى فقدوا الوعي ، فاختلطت عليهم الجهات والأطراف ، وفقدوا صوابية الرؤية فطاشت سهامهم تخويناً وعنفاً بكل الاتجاهات وأولهم ذوو القربى.
هناك فرق بين من يحمل رؤية ويسعى لتسويقها بالحوار ووسائل العمل السلمي المدني، ومن يصدر فتاوى وفرمانات ليمنع اليمنيين من الذهاب إلى يومهم الذي صنعوه بدمائهم وصبرهم طوال عام كامل .
لا مجال للمتعصبين ، لم يعد بإمكانهم سد الطريق بعنفهم الهمجي أمام تيار اليمنيين الجارف في شمالهم والجنوب، ولنراهن مع طاهر شمسان «سيخرج اليمنيون الثلاثاء القادم باتجاه صناديق الحرية مثل أسراب الجراد».
أما إخواننا في الجنوب الصابر ، والحراك المدني السلمي فعليهم الاستعداد من الآن لمؤتمر الحوار الوطني ، وقليل من الهدوء في نبرة الخطاب مع فكرة قوية وواضحه أجدى بكثير من نبرة حادة تترافق مع رؤية مشوشة وغائمة كهذه التي تحاول فرض نفسها وصياً على الجنوب وقضيته بضجيجها الفارغ وعنفها المشبوه.