آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الوحدة في العهد الهادي

من حسن حظ الرئيس المقبل لليمن عبدربه منصور هادي أنه عايش حكم الرئيس صالح سنوات طويلة دون صلاحيات تذكر، فراقب أخطاءه وخطاياه، ويستطيع الاستفادة من تلك التجارب والأخطاء، بمجرد أن يصبح رئيساً شرعياً كامل الصلاحيات. ومن الواضح أن الرئيس هادي يدرك تماماً أن الأسباب التي أبقت صالح في الحكم طويلاً هي ذاتها التي أدت إلى خروجه؛ أي أن صالح كان ينتهج سياسة إدارة الأزمات بدلاً من حلها، وليس هذا فحسب بل كان ينتهج سياسة الاستفادة من المشكلات العويصة وتجييرها لصالحه، لكن تلك الأزمات في النهاية تفاقمت وأطاحت به قبل أن تطيح به الثورة الشعبية.

ولن أتحدث هنا عن الأزمات الاقتصادية والمحن الاجتماعية التي يعاني منها الشعب، فهذه كانت آخر هموم صالح على الإطلاق؛ لأنه كان يركز على الأزمات ذات الطابع الحربي الذي يهدد نظام حكمه بشكل أو بآخر مثل الحركة الحوثية والحراك الجنوبي وتنظيم القاعدة، فتمكن من تحويل الخطر الحوثي إلى مصدر دعم خليجي سخي لنظامه، وتحويل خطر القاعدة إلى مصدر دعم أمريكي قوي لنظامه، وتحويل خطر الحراك الجنوبي إلى مصدر دعم شعبي تحت مبرر الحفاظ على الوحدة، الأمر الذي أدى إلى تأخير حسم الثورة الشعبية.

وأما الرئيس هادي فهو لا يواجه هذه المخاطر التي خلفها له النظام، ولتحصين الوحدة اليمنية من المخاطر سأتناولها في إحدى المقالات القادمة، وسأكتفي هنا بطرح رؤية أحد العقلاء بشأن كيفية تحقيق البقاء للوحدة في عهد هادي ومن سيأتي بعده.

ما يحقق للوحدة البقاء والاستمرارية هو أن يشعر كل مواطن بأنه صاحب مصلحة في هذه الوحدة، وأنها تحقق مصالحه المادية والروحية.

الرئيس هادي يدرك أكثر من غيره أن أبناء المحافظات الجنوبية - نتيجة لأخطاء السلطة السابقة - لم يعودوا يشعرون بأن الوحدة القائمة تحقق مصالحهم، أو تعبر عن أحلامهم وطموحاتهم التي ناضلوا في سبيلها طويلاً.

هناك نزوع شديد اليوم لديهم في النفور من الوحدة، ونحو العودة إلى استعادة دولتهم.. وهذا النزوع أو الخوف له ما يبرره، بل إن نهج السلطة وسلوكها قاد ويقود إلى ذلك، فمنذ حرب 1994م وهي تتصرف على نحو من الهيمنة والاستعلاء والعنصرية البغيضة تجاه الجنوبيين، بالإضافة إلى سياسة النهب المستمرة لثرواتهم وأراضيهم، وتصفية مكتسباتهم الاقتصادية والاجتماعية، وتسريح الآلاف من المدنيين والعسكريين من وظائفهم، والتمييز بينهم في الوظائف، وفي فرص التعليم، وفي البعثات، وإلى عسكرة المدن وقمع نضاله وحراكه السلمي، وقتل نشطائه، وزجهم في المعتقلات، كل هذا وسواه يؤجج مشاعر الجنوبيين الوحدويين (عبر تاريخهم) ويشعرهم بالظلم وعدم المساواة، بل وبالإقصاء والتمييز، مما خلق ويزيد الهوة بين المواطنين اليمنيين، على أساس (شمالي) و(جنوبي)، مما لم يكن موجوداً قبل الوحدة، وقبل حرب صيف 1994، ولم يكن موجوداً حتى في عهود الاستعمار والإمامة.

هذا الواقع ليس من مسؤولية المواطن في الجنوب، أو في الشمال، ولكن أوجده النظام الذي تمكن من رقاب شعبنا اليمني كله.

يتضاءل يوماً بعد يوم عدد أبناء المحافظات الجنوبية المؤيدين للوحدة بصورتها الحالية، والسلطة السابقة كانت هي المتسببة في ذلك، وتصرفاتها لم تكن تدل على أدنى رغبة بصدد تقديم حل وطني سلمي لقضية الجنوب كمدخل لحل أزمة الوطن، كل ما تملكه هو القوة والعنف، وهذا الطريق خطير؛ لأنه قاد البلد إلى التمزيق والتشظي في نفوس المواطنين، ومزيد من تمزيق الوحدة الوطنية.

ليس الخوف من التمزيق الجغرافي وحده، بل تمزيق الشعب، وقتل المشاعر الوحدوية في نفوس المواطنين، ما فائدة أن تكون البلد موحدة جغرافياً، في حين تكون وحدته الوطنية ممزقة، والكراهية تتأجج بين أفراد مجتمعه؟! نحن ورثنا دولة فاشلة، دمرت البلد واقتصاده وأخلاق مجتمعه، ونهبت ثرواته، وأغرقته في الحروب والدماء والأزمات، كل ما كانت تفكر فيه هو تكريس الثروات والتوريث على حساب بؤس الشعب وفقره.

الدولة المركزية بعد 22 عاماً من الوحدة أثبتت فشلها، ويرى البعض أنها نوع من الضم والإلحاق والظلم الذي حاق بالجنوبيين، وهو نفس الظلم الواقع على أجزاء واسعة من الشمال إن لم يكن كله، وقد آن الأوان للخروج من هذا الواقع وهذه الأزمة والتفكير بنوع آخر من الدولة اللامركزية، مادامت الدولة المركزية قد فشلت في تحقيق مصالح الجنوبيين ومصالح غالبية الشعب في الشمال.

ولا جدوى من الاستمرار في فرض نموذج أثبت فشله، وأضراره أكبر من فوائده، هذا إذا كان هناك ثمة فوائد من مثل نظام تحول إلى كابوس على رؤوس الشعب.

الفرصة أمام الرئيس هادي أصبحت قاب قوسين أو أدنى؛ لإنقاذ الوحدة عن طريق فتح باب الحوار الصادق والجدي لحل القضية الجنوبية، بل وتفضيل الجنوبيين على غيرهم مادام الماء ساخناً والمحافظات الشمالية قابلة بهذا النوع من التفضيل، أما الانتظار لوقت طويل فإن هذا الرضا سيختفي، وقد نجد حركة انفصالية في الشمال مثلما كان هناك يوم ما حركة انفصالية في الجنوب.

زر الذهاب إلى الأعلى