مصالح أميركا في القرن الماضي استدعت مساعدة الحكام العرب لتحقيق الاستقرار في أوطانهم، وكان ذلك للأسف على حساب مبادئ الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ولكن مستوى القمع والإفقار واللامبالاة، وصل إلى حد كبير في البلدان العربية إلى درجة أصبحت فيها أراضي هذه البلدان مرتعاً للفشل، ومنبعاً لتصدير الإرهابيين بشكل يمثل خطراً على أمن العالم قاطبة.. كما أن فساد الحكومات العربية أدى إلى تفاقم مشكلة الإرهاب، وأصبحت المصلحة العليا للولايات المتحدة وأوروبا مرتبطة ارتباطا وثيقا بالعمل على ازدهار الشعوب العربية، ومساعدتها في التخلص من الفساد والقمع والفقر والبطالة. هذه المشكلات خرجت عن نطاق السيطرة وتحولت إلى هجمات ملغومة بالحقد والإرهاب والمتفجرات في كل مكان، بسبب الانطباع بأن واشنطن تدعم سوء إدارة الحكام العرب لمصالح شعوبهم.
هذا الدعم المتفترض يتحتم على الأمريكان أن يبرئوا أنفسهم منه أمام الشعوب العربية، ولن يتم ذلك إلا بالبرهان العملي وهو دعم الولايات المتحدة لمبادئ وقيم العدالة والحرية والتعددية في كل مكان.
ونحن إذ ندرك ان التغيير للأفضل لا يمكن فرضه من الخارج، فإننا ندرك أيضا أن الشعوب العظيمة قادرة على فرض التغيير المطلوب بالطريقة التي تراها مناسبة، ولن ترفض أي دعم خارجي غير مشروط، حيث إن فقر هذه الشعوب ومعاناتها، فيه ضرر كبير على أمن العالم كله في حين أن ازدهار هذه الشعوب ورخاءها يزيح خطر الإرهاب عن أميركا وأوروبا، وربما عن العالم أجمع.
وما يجري في العالم العربي يهم بلدان الدنيا في كل مكان، ليس سبب الدافع الذي تفرضه القيم الإنسانية فحسب، ولكن أيضا بسبب انتقال خطر الإرهاب إلى البلدان الأخرى وخشيتها من تفاقم الأوضاع وتحيل بلداننا إلى ساحة واسعة لتدريب وتفريخ الإرهابيين. ومن أجل ذلك يسعى الغرب إلى دراسة المشكلات السائدة في بلداننا ومساعدتنا على التخلص من استهتار حكامنا وإجبارهم على التخلي عن السلطة بعد أن فشلوا في حل المشكلات الرئيسية التي تعصف بالاستقرار وتؤدي إلى تحويل هذه البلدان إلى منصة لإطلاق الإرهاب وتصدير الإجرام، أما الحلول الناجعة فتتمثل فيما يلي:
1-التوقف عن ممارسة الفساد والعبث بمقدرات الشعوب لأن الفساد سبب رئيسي من أسباب الإرهاب.
2-تحضير البلدان العربية لتبادل سلمي حقيقي للسلطة، والتوقف عن تحضيرها لأنجال الزعماء الذين لن يرثوا في واقع الأمر سوى الأزمات والمشكلات.
3-إنهاء المركزية الشديدة في الحكم التي خلقت تذمرا كبيرا في كثير من بلداننا، ويعتقد كثيرون أن النظام الفيدرالي أو الحكم المحلي كامل الصلاحيات هو نظام كفيل بإنهاء الحركات الانفصالية، وحل المشكلات الناجمة عن غياب السلطة أو تركيزها في العواصم المستبدة.
4-التوقف عن انتهاك حقوق الإنسان في المعتقلات، والتوقف عن اختطاف الناشطين والصحفيين، والإفراج عن كافة السجناء السياسيين والحقوقيين والصحفيين من أمثال زميلنا القابع في سجن مظلم عبدالإله حيدر شائع، وتقديم الاعتذار له على ما لحق به ظلماً جراء كشفه لعجز الأمن القومي في ملاحقة القاعدة.
5-التوقف عن الإساءة للمهاجرين واستعبادهم تحت ستار نظام الكفيل السائد في دول الخليج الذي قد يصحو العالم فجأةً على بشاعة هذه الممارسات، ومن الأفضل لدول الخليج أن تتدارك هذه المشكلة، قبل أن يتلقى شيوخها وأمراؤها مذكرات اعتقال من لاهاي.
6-التوقف عن الهيمنة على الإعلام والتحريض على الإرهاب في القنوات الحكومية، والصحف الرسمية.
7-احترام حقوق الأقليات والقبول بالتعددية. وبإمكان القادة العرب الاقتداء بالتعددية التي كانت سائدة في عهد النبي محمد الذي كان بلال الاثيوبي، وسلمان الفارسي، وصهيب الرومي من أهم مستشاريه، ومن أعضاء الدائرة المؤثرة في صنع القرارات إلى جانبه بغض النظر عن خلفياتهم العرقية.
8-العمل على تحسين الإدارة والخدمات والتعليم والصحة، لأن الانشغال بتأسيس جيوش لحراسة القصور أفقد الحكام الاهتمام بحاجات مواطنيهم ولم يعد أمام أي شاب عربي صاعد سوى خيارات ثلاثة، إما الانخراط في صفوف الجماعات الإرهابية، أو الهجرة شمالاً إلى دول الغرب في قوارب الموت أو الانخراط في جماعات وعصابات الحكم الفاسدة إذا سمحت له الظروف بذلك.. محاربة الفساد يجب أن تمضي قدماً جنباً إلى جنب مع محاربة الإرهاب لأن الفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة وكلاهما يؤديان لتدمير القيم والإنسانية والإخلال بمقدرات الشعوب. ولولا وجود الفساد والاستبداد لما وجد الإرهاب أصلا.
ومن المفارقات أن الحكام العرب سواء كانت بلدانهم فقيرة أو غنية يعيشون في قصور غاية في الفخامة تمتد أطرافها في أجزاء كبيرة من عواصم بلدانهم. ومثلما أن لديهم قصوراً للسكن فإن لديكم أيضا قصوراً في النظر, إذ إنهم ينفقون من أموال بلدانهم على توافه الاحتفالات والبهرجة ويتركون البرامج الاستراتيجية التي تضمن الأعمال والوظائف لأبناء الشعب.