[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

أشكال الإقصاء والتهميش قبل الوحدة اليمنية

يؤكد شاهد عيان تاريخي أن “عدن” أو المحافظة الأولى - كما كانت تسمى في التقسيم الإداري الأول بعد الاستقلال - كانت الحلقة الأضعف بالنسبة للمشاركة في المراكز السياسية المؤثرة في صناعة القرار.. ويعود السبب في ذلك إلى أن أبرز الوجوه السياسية العدنية كانوا وزراء في حكومة الاتحاد التي سقطت بفعل الثورة والنضال الجماهيري، أو كانوا قيادات في (جبهة التحرير) التي خسرت المنافسة مع الجبهة القومية، وقد هربوا في أغلبهم أو فضلوا عدم العودة من الخارج حيث هم، فصاروا خارج المعادلة السياسية.

لكن هذا لا يعني أنه لم يكن في قوام قيادات الجبهة القومية والحكومة ومن بعدهما الحزب الاشتراكي اليمني قيادات من أبناء عدن، ولكن لم يكن لهم نفس التأثير والنفوذ اللذين كانا لغيرهم؛ ويعود السبب في ذلك إلى التقسيم الذي كرسته بريطانيا للعمل، فلم يكن لهم بالتالي وجود في المؤسستين العسكرية والأمنية اللتين كان أفرادهما يأتون في الغالب من المناطق الريفية، كما لم يكونوا يستندون إلى ثقل قبلي أو مناطقي بحكم الطبيعة المدنية لأبناء المدن عموماً، بالإضافة إلى أن البعض في القيادة التي كانت في غالبيتها ذات منشأ ريفي لم يكونوا يقبلون بوجود من هم أكثر منهم فهماً واستنارة ليشاركهم مراكز النفوذ والقرار.

وكان معيار المناضل محصوراً في رصيد المرء من المشاركة في الكفاح المسلح، أو في امتلاك القوة العسكرية؛ بحكم كثافة وجود أبناء مناطقهم في المؤسستين العسكرية والأمنية.. ولهذا عندما جاء إلى عضوية المكتب السياسي أعضاء من اتحاد الشعب الديمقراطي والطليعة (البعث) وكانوا في غالبيتهم من عدن اتهم الرئيس علي ناصر محمد بأنه تخلى عن المناضلين الحقيقيين!!

إضافة إلى قيادات البعث واتحاد الشعب الديمقراطي برزت قيادات من عدن ك: نور الدين قاسم، وعبدالباري قاسم، وعبد الله علي عقبة، وأبو بكر شفيق، وجعفر علي عوض، ومحمود محمد جعفر، وطه غانم، ومحمود عراسي، وعبد الله باذيب، وعلي باذيب، وأبو بكر باذيب، وأنيس حسن يحيى، ونصر ناصر علي، وعائدة علي سعيد، وفوزية محمد جعفر، وغيرهم.. وكان لشبوة أيضاً تمثيلها في الحزب والدولة، ومن أبرزهم: عبدالله صالح سبعة، وعبدالله علي مجور، وفريد مجور، وأحمد مساعد حسين، وغيرهم.

فيما يخص المهرة، فقد كانت بعيدة جغرافياً عن العاصمة عدن، وعن مركز الحكم، وبالتالي عن الصراعات بشكل مباشر؛ بحكم طبيعة أبنائها المسالمة، لكن كان لهم وجودهم - وإن بصورة محدودة - في قيادات الحزب وفي الحكومة أمثال: محمد سالم عكوش، ومحسن علي ياسر، وأحمد سالم مخبال، وسعيد عسكري، ومحمد عبدالله كدة... وغيرهم، لكن لم يصل أحد منهم إلى عضوية المكتب السياسي أو رئاسة الحكومة.

ولكن لحل بعض الحساسيات المناطقية في الجنوب والشمال على حد سواء فالبلد ليست بحاجة إلى خطب رنانة عن الإقصاء والتهميش، بل بحاجة إلى توزيع الثروة والمسؤولية والعدل والأمن والاستقرار الذي حرم منه المواطنون في الجنوب والشمال منذ قيام الوحدة وحتى الآن، بينما تنعم مجموعة صغيرة بخيرات وثروات الشعب اليمني الذي يعيش 60 % منه تحت خط الفقر بمعدل دخل يومي 2 دولار للفرد، بينما مجموعة صغيرة يمتلكون المليارات من الدولارات، ويودعونها في حساباتهم في بنوك العالم بل وفي دهاليز خاصة جداً في المنامة ودبي.

وإذا كان ثمة أمل لحل أزمة الوحدة اليمنية فلابد قبل كل شيء بالاعتراف بمبدأ الشراكة الوطنية للمحافظات الجنوبية في السلطة وفي القرار وفي الثروة.. كما ينبغي الابتعاد عن الطائفية، والتمييز، والمذهبية، ولابد من الاعتراف بالتنوع، والقبول بمبدأ المواطنة المتساوية، فلا يمكن صهر الناس كلهم في قالب ثقافي أو اجتماعي واحد، ينبغي الاعتراف بالتباينات بين المناطق، وإيقاف محاولات القضاء على الهوية، وتشويه التاريخ وإحداث تغيير ديمغرافي في المحافظات الجنوبية، وضم تجمعات شمالية إلى جغرافية الجنوب أو العكس لن تحقق الوحدة المنشودة.

كما ينبغي الكف عن الأصل والفرع الذي عاد إلى أصله، أو وصف الجنوبيين بأنهم بقايا صومال وهنود؛ لأن هذا الزعم يتطلب الرجوع إلى: “الدمDNA والأرض والهوية والأصالة”، وبالمقابل فإن محاولات بعض الناشطين الحراكيين إضفاء النقاء على أنفسهم وتلويث الآخرين مجرد مرض ونقص، ومحاولة لإثبات الذات والتفوق عن طريق الحط من الآخرين، وهو أمر يدعو إلى الإشفاق على أصحابه!!.

زر الذهاب إلى الأعلى