بوصول ثورة التغيير في اليمن إلى طور انتقال السلطة شعبيا وفقا لما نصت عليه المبادرة الخليجية، فإنها قد قطعت شوطاً واضح الملامح، يمكننا أن نعده معياراً زمنياً لتقييم بعض الأدوار والمواقف، كذلك فإنه بوصول الثورة إلى هذا المستوى نكون قد دخلنا في طور جديد يستلزم منا استعراض التحديات المحتملة..
ولا شك أن دور تحالف أحزاب اللقاء المشترك في هذه الثورة يعد من الأدوار الرئيسية والهامة التي ينبغي تقييمها، وتسليط الضوء على نقاط الإيجاب والسلب فيها، فضلاً عن كونه (اللقاء المشترك) يعد لاعباً رئيسياً في قادم المراحل والأطوار.. سواء تم نجاح مسار المبادرة ووصوله إلى نهايته المرسومة أو فيما إذا تم الالتفاف على المبادرة..
ومما يزيد من أهمية تقييم دور المشترك هو وجود تباين في نظرة الكثيرين إزاء هذا الدور، ذلك التباين الذي يصل في بعض حالاته حد التضاد، وبالتالي فإن التناولة التي بين أيدينا ستدخل مباشرة في الحديث عن جملة من إيجابيات هذا الدور لتنتقل بعدها، إلى ما يمكن اعتباره سلبيات أو إخفاقات وصولاً إلى وضع قائمة من التحديات يتوخى الكاتب أهميةً لذكرها في هذه المرحلة، أملاً في أن يلعب المشترك دوره المناط به كقوة وطنية مؤثرة من أجل الخروج باليمن وبشكل آمن من واقع الثورة إلى واقع التغيير وصولاً إلى اللحظة التي يصبح فيها اليمن متمتعاً ببيئة قابلة لطور البناء غير محمَّل بأي من تبعات أو إخفاقات الظروف التي عادة ما تصاحب أي تغيير. ولكن قبل الدخول في استعراض المحور الأول في تناولتنا (الإيجابيات)، يحسن بنا التعريج السريع على واقع أداء اللقاء المشترك قبل الثورة، أي خلال عشر سنوات من العمل السياسي التحالفي المعارض الذي انطلق مع بداية العقد الأول من القرن الحالي.
ويمكننا وبصورة إجمالية، القول إن أهم ما ميز أداء اللقاء المشترك خلال فترة ما قبل الثورة، هو أنه من حيث التكوين جمع طيفاً سياسياً كانت أطرافه في فترة من الفترات تقع على جبهتي صراع، ووصل هذا الصراع في بعض محطاته إلى المواجهة المسلحة.. وبالتالي كان قيام اللقاء المشترك بحد ذاته إنجازاً وطنياً يجنب البلاد ثارات وسوء فهم متراكم جراء فترة الصراع.. ومثل أيضاً حالة من التصالح السياسي التاريخي تعرضت لاختبارات شتى وابتلاءات عصيبة، خرج منها هذا التحالف متماسكاً دون أي انشقاق، بل اكتسب إلى جانب أطرافه المؤسسين، أحزابا أخرى، واكتسب خلال هذه المرحلة خبرات التماسك والصبر والتنسيق ضمن مواقف شتى وجد نفسه موضوعاً فيها.. ورغم كونه لم يحقق تنامياً عددياً في مؤسسات التمثيل التشريعي، بسبب ميلان الآليات والظروف الانتخابية لصالح الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) الذي كان ينافس أحزاب المشترك مستغلاً كل إمكانيات الدولة، كما كان يتمتع بقدر من المراوغة السياسية استطاع خلالها أن يستنزف جزءاً كبيراً من جهد المشترك في الحوارات حول تعديل آلية الانتخابات وأشياء من هذا القبيل..
كل ذلك آثر على مقدرة هذه الأحزاب على حصد مكاسب انتخابية على حساب الحزب الحاكم، بل إن المشترك كان يعاني في الفترات البينية من استحقاق انتخابي لآخر من حالة تقليص وتحجيم وإضعاف يمارسه الحزب الحاكم، مضافاً إليها، محاولات دائبة، من قبل الرئيس وحزبه لشق أحزاب المشترك واستقطاب كوادرها.. لكن المشترك رغم ذلك خاض مع الحزب الحاكم منافسة قوية في أول انتخابات رئاسية حقيقية، تجري في الجمهورية سبتمبر 2006، واعتبر المراقبون أن إنجاز المشترك الأكبر في هذه الانتخابات أنه كان جاداً في كسر الحظر المفروض على التنافس على الموقع الأول في البلد. وكان يفترض أن يدخل التحالف المعارض تنافساً على البرلمان في العام 2009، لكن مماطلة المؤتمر الحاكم في تسوية ملعب التنافس الانتخابي، أدت إلى جانب عوامل أخرى كاندلاع حركة الاحتجاجات المحافظات الجنوبية إلى تأجيل الانتخابات عامين كاملين يتم خلالهما الانتهاء من كافة المسائل العالقة التي أوجبت التأجيل.
ولم تكد شرارة الربيع العربي تنطلق من تونس أواخر 2010، حتى كانت أنظار العالم تنتظر اندلاع أزمة شديدة في اليمن جراء اقتراب الموعد الانتخابي دون إحراز أي تقدم، رغم تأجيل الانتخابات عامين..
وقبل ثورة الربيع العربي كان المشترك لوّح ب"هبة شعبية" لحمل المؤتمر على التعاطي الجدي مع مطالب المشترك في الآلية الانتخابية، الأمر الذي جعل الشعور اليمني العام مهيئاً لاندلاع حركة احتجاج واسعة النطاق قد تطيح بالنظام الذي لم تكن أزمته السياسية مع أحزاب المعارضة التي تأجلت بسببها الانتخابات إلا مظهراً من مظاهرها.. حيث إلى جانب ذلك كان هناك سوء إدارة في كافة مناحي الحياة أوصلت البلاد وضع اقتصادي على وشك الانهيار، تمردات مسلحة في شمال الشمال، واحتجاجات حقوقية ومطلبية في الجنوب تحولت إلى مطالبات بإعادة التشطير، إخفاق شبه تام في تنفيذ نصائح واشتراطات المانحين ومجموعة أصدقاء اليمن، هذا إلى جانب خطر تنظيم القاعدة وفشل الدولة في السيطرة على كافة أراضيها، وازدياد مهول في معدلات الفقر والبطالة.. وكل ذلك بسبب فساد إداري ونهب للثروات بشهادة الحكومة نفسها.. ولعل أبرز مثال على هذا الفساد قيام الحكومة بتوقيع مجموعة من الاتفاقيات التي تم على أساسها التفريط بثروات البلد لعقود قادمة..
انطلقت شرارة الربيع العربي وتهاوى نظام بن علي في تونس، وبعده نظام حسني مبارك في مصر، رغم أن النظام اليمني كان المرشح الأول للتداعي والسقوط جراء استكماله كافة موجبات الفشل، وجراء توافر كافة عوامل الثورة..
مع هذا ورغم تهديد المشترك بهبة شعبية، إلا أنه لم يكن جاهزاً أو مخططاً أو مستعداً للقيام بثورة على غرار ما حدث على أرض الواقع في فبراير 2011، بل إنه تردد في الانضمام إليها بعد اندلاعها على يد الشباب، أملاً في أن النظام ربما يعتبر بما حدث في تونس والقاهرة، ويبادر إلى إصلاحات جادة تجنب البلاد تبعات ثورة..
أولا: جملة من إيجابيات دور المشترك منذ انطلاق الثورة في فبراير وحتى توقيع المبادرة في نوفمبر
- وجود المشترك بحد ذاته كأحزاب معارضة جاهزة وموجودة على الواقع، كان يمثل منفذاً لانطلاق احتمالات الحل السياسي، الأمر الذي أسفر عن المبادرة الخليجية، التي رغم وجودها فإن المشترك حرص على عدم ممارسة أيٍّ من أشكال الضغط على الفعل الثوري في الساحات، ولعل انعدام وجود كيان معارض في الحالتين السورية والليبية يعد أمراً أشد وطأة مما هو في الحالة اليمنية، بينما تظل الحالة المصرية استثناء في هذا الجانب، وإن تكبدت مصر آلام المخاض بعد حدوث الولادة.. بينما ساعد عامل المباغتة في تونس على تجاوز الكثير من المآزق الناشئة في غيرها من الثورات.
- مثل انضمام المشترك إلى شباب الثورة، دفعة شعبية كبيرة، بانضمام أعضائه إلى الساحات، الذين مثل قطاع منهم الجانب التنظيمي لمعظم الساحات، بسبب خبرتهم الحزبية في هذا الجانب..
- حرص المشترك وبقية مكونات الثورة، على طابع السلمية، جنب الثورة مراراً الانزلاق إلى طور الحسم المسلح مجهول العواقب. ونجحت أحزاب المشترك في النأي بنفسها عن مواجهات دارت على هامش الثورة بين قوات النظام وقبائل انضمت للثورة، كما هو الحال في الحصبة وتعز..
- قام المشترك بأداء دور دبلوماسي مع الجوار الإقليمي والمجتمع الدولي، وأدى هذا المجهود إلى اطمئنان قوى الخارج إلى وضع اليمن ما بعد التغيير، حيث وأن المتابع لردود الأفعال الإقليمية والدولية يجد أنها لم تكن تريد بقاء النظام في الحكم، ولكنها في المقابل لم تكن تسرع في عجلة سقوطه، جراء غموض مستقبل اليمن ما بعد السقوط، وكذلك لعدم معرفتها للقوى البديلة.. الأمر الذي بدأ يتلاشى مع انتزاع المشترك ثقة الجوار والعالم لصالح هذا التكتل السياسي المعارض الذي يمثل وجوده صمام أمان يقي البلاد من الانهيار حال سقوط منظومة النظام..
- استطاع تحالف المشترك أن يتعامل بحكمة وروية مع ضغط شبابي هائل من قبل الساحات، يتهمه بالمرونة الزائدة وبالتهاون بالتضحيات.. هذا الضغط الذي كان متزامنا مع حملة إعلامية شرسة من قبل أجهزة النظام ووسائل إعلامه تتهم المشترك بسرقة ثورة الشباب، وبامتطاء موجتها لمصالح شخصية وبقطع الخدمات الضرورية عن المواطنين وبافتعال حوداث العنف في المحافظات.. كما تعرض كذلك لمحاولة شق ودس ووقيعة خلال فترة الثورة بمقدار يكاد يفوق الحملات التي تعرض لها طيلة عقد منصرم..
- بطبيعة الحال فإنه بانضمام المشترك إلى الثورة تحولت منابره الإعلامية المتعددة من صحف ومواقع إلكترونية إلى منابر للثورة، ومؤسساته كذلك، صارت جزءا مهما من آلة الفعل الثوري.
- تعدد المشترك المتكون من أحزاب متعددة المشارب حافظ بشكل غير مباشر على وجود المؤتمر الشعبي العام، ومثل ضمانة مستقبلية لاستمراره، إذ كان هذا التنوع ضماناً لتنوع المستقبل، الأمر الذي خفتت معه دعوات إلغاء المؤتمر، وخفت بالتالي عناد أعضائه..
- يكاد المتابع لأداء اللقاء المشترك منذ قيامه يلحظ أنه لم يتميز في أدائه السياسي خلال فترة ما قبل الثورة، كما تميز خلال أشهر الثورة، رغم أن أداءه لم يكتسب ضجيجاً إعلامياً يوازي حجم هذا الدور.
- وفقا للمبادرة الخليجية فإن المشترك قبِل الدخول في حكومة وحدة وطنية بنسبة النصف، هو وشركاؤه، مقابل التوقيع على مبادرة تحقق الهدف الرئيسي الذي خرج من أجله الشباب، في حين كان المؤتمر الشعبي العام الحاكم يتمنى أن يقبل المشترك تشكيل الحكومة بمفرده لو أنهم تخلوا عن مطلب التغيير ووافقوا على رفع الاعتصامات..
- لم ينجر المشترك إلى استعداء الخارج، بالرغم من أن استراتيجية النظام خلال الثورة كان تعتمد على وضع قوى التغيير في خانة الأعداء الاستراتيجيين للجوار الخليجي والمجتمع الدولي، وراح النظام يملأ ميدان السبعين بصور قادة السعودية وحاول مراراً ربط المشترك بتنظيم القاعدة... إلى آخر هذه المحاولات التي فقدت مفعولها مع مرور الوقت.
- خلال عشرة أشهر مرت أحداث شديدة التداخل والتعقيد، وتعرضت الثورة لامتحانات عسيرة، وتعرض قادة اللقاء المشترك لتهديدات شخصية، ووصل إلى بعضهم رسائل واضحة تشير إلى جدية هذه التهديدات.. مع هذا لم نسمع عن انشقاق قيادي واحد داخل اللقاء المشترك.
- لو كان المشترك رفض نقل السلطة لنائب الرئيس من حيث المبدأ لأغلق تماماً فرص الحل السياسي.
- نجا تحالف المشترك بحكمة، من محاولة جره لحرب في مناطق حجة وعمران والجوف مع الحوثيين، الذي اتخذهم النظام كقشة أخيرة تنقذه من الغرق..
- طيلة كل هذه الفترة، كان يزيد من احترام الناس وثقتهم بالمشترك شعورهم أن هذا التكتل السياسي ليس شخصاً، كما هو حال المؤتمر الشعبي العام الذي يمثل الرئيس كل شيء فيه..
- لم يدّعِ المشترك يوماً أنه هو من حرك الشارع، كما لم يدع يوماً أنه يمثل الثورة.
- قام المشترك مع بقية قوى التغيير بتكوين مجموعات شعبية في أكثر منطقة للحفاظ على مؤسسات الدولة كما حدث في تعز.
- ثمة نقطة غاية في الأهمية، وهي أنه لو استعد المشترك لحرب أهلية لقامت.. إذ عاش منتسبو المشترك أوضاعاً عصيبة في بيوتهم جراء تسليح النظام لمجاميع من أتباعه، فيما سمي باللجان الشعبية، وشعر مؤيدو الثورة في ظل هذا التسليح أنهم مهددون على مستوى الحارات والقرى.. فقاموا برفع مستوى الحذر واليقظة. ولكنهم لم يردوا بتصرف مماثل، إذ لو تفرغ المشترك لحشد مماثل وشرع في تسليح أعضائه، لكان منطق المواجهة هو ما سوف يستحوذ على تفكيرهم وبالتالي تغدو الحرب الأهلية تحصيل حاصل.
- قوة الفعل المؤتمري (في العادة) انتخابية، موسمية، تصحو كل ثلاث أو أربع سنوات، لتفرغ وسعها مرة واحدة خلال شهرين أو ثلاثة، وتحصد دوائر، ثم تعود أدراجها. لتأتي الثورة مظهرة عوار هذه الخبرة، إذ سرعان ما خبا حماس المؤتمر بعد أشهر على قيام الثورة، وصارت قدرته على الحشد مكلفة جداً، في حين تعامل المشترك بنفس طويل، الأمر الذي جعله يزداد تنسيقاً وحماساً كلما طال أمد الثورة، ليرسم بذلك صورة جسدتها الساحات في عموم المحافظات حتى صار من الصعب على أنصار النظام جمع مسيرة واحدة تؤيد الرئيس، على عكس ساحات التغيير التي حافظت على زخمها، بل وما زالت تتكاثر حتى اليوم في مدن ومديريات وأرياف جديدة..
- لعل أداء المشترك طيلة أشهر الثورة رغم عدم تسليط الأضواء عليه، قد أكسبه ثقة أنصاره، الذين تقبلوا التوقيع على المبادرة ومثلوا رافداً شعبياً يضغط باتجاه تنفيذها، ويمضي شداً وإرخاءً كلما تطلب الأمر.
- لم تلتقط العدسات صورة واحدة تجمع قادة المشترك مع قادة جيش الثورة، وبإمكان صورة كتلك حال وجودها رغم كونها أمرا عاديا، أن توفر مادة كبيرة لإعلام النظام لتضخيم وصف الانقلابيين الذي دأب عليه طيلة هذه الفترة.
- كمتابع لا يخطر ببالي إجراء معين كان على أحزاب المشترك اتخاذه ولم تفعله. كثيراً ما كانوا يتأخرون، لكنهم بالفعل قاموا بالكثير مما كان يفترض ان يقوموا به.
- نجح المشترك في تخطي دسيسة محاولة النظام تصوير الثورة على أنها ثورة طرف بعينه (حميد الأحمر، علي محسن، الإخوان المسلمين). وبالنسبة لحزب الإصلاح تحديداً فإن من لا يسمع إعلام النظام، ولا يعرف الإصلاح مسبقاً، فإنه قد لا يشعر أنه أكبر أحزاب المعارضة، كون التماهي الجمعي كان هو الأبرز.
- لعل جزءاً كبيراً من قدرة المشترك على تخطي الأفخاخ التي نصبت في طريقه فترة الثورة، يعود إلى حكمة رئيسه الدوري د. ياسين سعيد نعمان، الذي غاب أسابيع خارج البلاد خلال الثورة، دون مبررات معلنة، وزادت التكهنات ليعود المشترك أكثر قوة بعد عودته.
ولا ننسى أن النظام كان قبل قيام الثورة عمل على إضعاف المشترك من خلال الكيانات الطارئة التي تجرأت على الدولة، إذ لم يحاول معالجة مطالب الحراك بقدر ما حرضه على المشترك.. كذلك تعامل النظام مع الحوثي، ناهيك عن تشجيعه التيارات السلفية التي تحرم العمل الحزبي لضرب حزب الإصلاح الإسلامي بفصيل إسلامي..كما مارس عملية استقطاب واسعة للكوادر والقيادات بالترهيب والترغيب.
- لقد عاشت أحزاب المشترك التي كانت متصارعة قبل قيامه عقداً من التوحد والتواد والتنسيق لكن هذا التوحد والتواد كان على مستوى القيادات بنسبة تفوق تواد القواعد الحزبية، وهو الأمر الذي أوجدته الساحات في أشهر قليلة، رغم بزوغ شكاوى في أول الثورة من استئثار الإصلاح على المنصة في ساحة التغيير، إلا أن هذا النوع من الشكاوى تضاءل تماماً مع مرور الوقت.
- احتاج بقاء الساحات لأشهر طويلة صامدة في وجه ثورة مضادة تستغل كل إمكانيات الدولة.. احتاج هذا الصمود إلى لوازم مادية من غداء ولوحات ومولدات ونفقات نشر، ولذا فإن الجناح الاقتصادي للمشترك لعب دوراً كبيراً فيها.
- أخيراً فإن من ينظر إلى قائمة التضحيات وأسماء الشهداء، يجد أن أحزاب المشترك قدمت نصيب الأسد من بين كافة قوى التغيير..
ثانيا: السلبيات
على مدى الأشهر التي تصاعد فيها الفعل الثوري كان بإمكان المراقب السياسي أن يرصد على أحزاب المشترك الكثير من المآخذ والسلبيات، ولكننا الآن بعد مرور هذه الفترة، نكتشف أن كثيراً من المآخذ التي سجلناها صارت لا تستحق الذكر قياساً بالصورة الكلية التي آلت إليها سفينة التغيير بعد أن قطعت هذا الشوط..
مع هذا نورد جملة مما يمكن وصفها بالسلبيات والمآخذ، منها:
· برأيي أن أبرز ما يمكن آخذه على اللقاء المشترك، أنه تأخر كثيراً في بلورة ملامح عهد قادم يشرحه للناس ويبشرهم به، لم يكن جاهزاً للثورة التي استنفرت جاهزيته في وقت مفاجئ، وظل يكتسب ببطء خبرة التعامل مع ثورة وليس أزمة، ومع تغيير وليس انتخابات..
· المشترك باعتباره المكون الأبرز للمجلس الوطني الذي أعلن عنه في 17 أغسطس، لم يستعرض جيداً قائمة الأسماء من داخله ومن بقية قوى الثورة، بحيث تحمل ثقلاً أكبر مما بدا عليه، وتتجنب حالات الانسحاب التي حدثت.
· وقع المشترك في بداية الثورة في فخ الحماس الإعلامي وراح يحاكي شباب الساحات بتصريحات استغلها النظام أيما استغلال لإيقاظ مخاوف أنصاره وحمية بعض شرائح المجتمع، كما حدث في تصريح الثلاثاء الشهير للأستاذ محمد قحطان عقب جمعة الكرامة.
· في الأشهر الأولى للثورة كانت هناك فوضى تصريحات معبرة عن مواقف المشترك، بلا آلية ضابطة، بحيث كان يسارع قيادي في الحزب س أو ص إلى إعلان موقف فوري من مستجدٍ ما، عقب حدوثه بدقائق عبر هذه القناة أو تلك، قبل التشاور مع بقية الأحزاب. هذا الاستعجال أوقع المشترك في أكثر من حرج، اضطر معها قادة المشترك إلى السكوت، دون إعلان موقف مناقض حتى لا يحرجوا زميلهم الذي تسرع بالتصريح.
· ستثبت الأيام أن المشترك لم يكن حصيفاً عندما قبل اقتران اسمه مع قوى لديها ثأر واسع مع قطاعات من المجتمع، دون أن يحاول على الأقل استخدام اصطلاح آخر لتسمية هذه القوى، كأن يقول "شباب الصمود" بدلاً عن أن يقول "الحوثيين"، وذلك في ادبياته الرسمية، ذلك أن مسمى الحوثي صار يمثل استفزازاً ليس فقط لقوى في الداخل، بل ولجيران خاضوا مع هذا الطرف مواجهة مسلحة، وترى فيه ذراعاً لقوى إقليمية معادية، ورأينا كيف أثبتت الأيام أن الحوثيين عمدوا في اللحظات الحاسمة لمشوار التغيير إلى تكوين ساحات جديدة تثور على الثورة، ناهيك عن قيام تنظيمهم المسلح بتحركات كان الهدف منها إطالة أمد النظام.. ناهيك عن قيامهم منذ الأيام الأولى بتزعم التحريض ضد أحزاب المشترك في الساحات.
· لم يكوّن اللقاء المشترك لجنة من السياسيين والإعلاميين تقوم بصياغة خطوط عريضة تعمم على وسائل الإعلام الموالية للتغيير بحيث تتجنب هذه الوسائل الوقوع في هفوات يستغلها إعلام النظام وتؤتي رد فعل عكسي عند بعض فئات المجتمع.. وكثيراً ما لعب النظام على بعض هفوات إعلام الثورة.
ثالثا: تحديات أمام اللقاء المشترك في المرحلة القادمة
كل الإيجابيات التي ذكرناها سابقاً ستكون رماداً يذروه الرياح ما لم يثبت المشترك وبقية قوى التغيير للعالم أجمع، أن بالإمكان وبشكل سريع أن تنتقل الأوضاع في اليمن إلى ما هو أفضل. والمحطة الأولى التي يتحقق فيها مثل هذا الأمر، بل والتي يقطع فيها المشترك 50% من المشوار المتبقي عليه، تتحقق بوضعه الشخص المناسب في المكان المناسب خلال اشتراكه في حكومة التوافق أو في ما بعدها. وبالتالي يتوجب عليه التنقيب والتمحيص للأسماء والكفاءات وأن لا يتعامل مع المناصب كمحاصصة حزبية أو كغنائم ثورية دون اعتبار مبدأ الكفاءة. لأنه إن فعل ذلك فلا فرق بينه وبين المؤتمر في الفترات السابقة، حيث كان يتعامل مع المناصب كغنائم انتخابية يوزعها على الناشطين في الانتخابات دون اعتبار للكفاءة، الأمر الذي تدهور معه الأداء العام وحدثت ثورة.
· على المشترك أن يحددوا من الآن فيما بينهم وبوضوح، هل سيخوضون انتخابات ما بعد الفترة الانتقالية التي تنتهي في 2014 متوحدين، أم متنافسين.
· سيكون المشترك ضيع على نفسه فرصة تاريخية وأصاب جماهير الشعب بخيبة أمل كبيرة، إن لم يتعامل مع متطلبات المرحلة القادمة بمستوى عال من الجدية والتفاني والمثابرة وإنكار حظوظ النفس، وما لم يستشعروا أنها مرحلة فاصلة، تؤسس حال النجاح فيها، ليمن لا يخترقه الاستبداد ولا يضطر شعبه للثورات.
· لاشك أن المشترك يدرك أن عليه أن يمد حبال الثقة مع "كفاءات" المؤتمر التي بقيت مساندة للنظام. حتى لا يتأخر هؤلاء في معركة البناء..
· على المشترك أن يستثمروا من خلال عملهم الحكومي مشاركة الخارج الخليجي والأممي في اتفاق التوقيع ليحصدوا من هذه الدول مكاسب لليمن تنقذه من وضعه الاقتصادي المنهار ومكاسب أخرى استراتيجية تضمن له موقعاً أفضل داخل إطاره الخليجي بما يرفع من معيشة الإنسان اليمني.
· متوقع من اللقاء المشترك أن يثبت للجوار أن كل المخاوف التي كان النظام السابق يطرحها عليهم لم تكن صحيحة، وأن ثمة نموذجاً أمثل للعلاقات يصبح بموجبه اليمن شريكاً يبعث على الاعتزاز وليس مصدر قلق.
· لا يجدر بالمشترك أن يضيعوا جهودهم أثناء عملهم في الجانب الحكومي ليثبتوا للقوى الدولية جديتهم في محاربة الإرهاب قبل تمكنهم من هذا الملف، إذ أن هذا الملف يحتاج لوقت تعد فيه استراتيجية دولة يتناغم أداؤها ليثمر معالجة شاملة وباتة لأعراض وجذور ومخاطر الإرهاب في مدة زمنية تزيد أو تنقص. المهم برنامج ناجح ينهي هذه الظاهرة في اليمن ، وليس اجراءات تتسع ويتسع معها الخطر.
· على المشترك أن يفكر ألف مرة قبل أن يسهم في اتخاذ خيارات لم تستكمل دراستها بعد، كالفيدرالية ونحوها أثناء وضع الحلول للقضية الجنوبية التي لا تحتمل التأجيل.
· لا شك أن بقاء أية تنظيمات مسلحة خارج نظام القانون هو أمر لا يتفق مع منطق الدولة أية دولة، وبالتالي فإن أمام دعوة الحوثي وتشجيعه لإلقاء سلاحه والتحول لجماعة فكرية وحزب سياسي والتعاطي الإيجابي والسريع والكامل مع أية مطالب مشروعة يشترطها مقابل إلقاء السلاح. ما لم فينبغي ممارسة كافة الضغوطات لحمله على ذلك. وفي تقديري أن الحوثي سيجد صعوبة في ترك السلاح وإفساح المجال لعودة سيادة الدولة في المناطق التي يسيطر عليها، وذلك إلى الحد الذي قد يجعله يخوض مواجهة مع دولة العهد الجديد، وستكون خسارته حال اختياره المواجهة أسرع بكثير مما يعتقده.
· لا شك أن قادة المشترك يضعون نصب أعينهم أن جماهير الشعب لم يثوروا من أجل تغيير شخوص النظام، بل لأن النظام جعل المسافة شاسعة بين اليمن الذي نريده واليمن الذي نعيشه.. ولابد من أن تتجه الجهود لإحراز تغير يلمسه المواطن باستمرار، ما لم فإن الشعب قد عرف طريق الساحات.. وأياً تكن المنظومة الحاكمة مستقبلاً فإنها لن تكون بقوة النظام الذي استمر ثلاثة عقود يقوي جذوره وعوامل بقائه..