آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

كم مرة يتوجب علينا استرضاء القارئ؟

لقد كتبت مقالات ارضتني تماما واعتبرها القراء مجرد ألغاز. وأنا هنا لا أذكر من الذي قال ان الشهرة حصيلة سوء فهم بين الكاتب والقارئ ويبدو ان مقولة كهذه ستكون دقيقة في عوالم القراءة الباحثة عن الهام وليس عن توضيحات .

يريد القارئ اليمني جملة توضيحات عن عبد ربه هادي وعن علاقة علي محسن بالإصلاح وعن مصير احمد علي ومصير الصيغة التوافقية ، يريد سياسة ولا تهمه الأزمات الوجودية. ما الذي يريده قارئ من ضاحية بتعز من الكتابة عن انثروبولوجيا الجسد أثناء انشغاله الكامل بمصير حمود خالد .

لقد أجبرنا القراء على وضع الأحزاب والقادة العسكريين والمحافظين في أذهاننا والعيش معهم والتعايش مع انشطتهم الجلفه ونحن الذين امضينا زمنا وفي أذهاننا الفلاسفة والروائيين نجول بأمراضهم العظيمة وبمآزقهم وضروب ضعفهم وفظائع رؤيتهم وإذا بك لأجل القراء تتجول برفقة حمود خالد..

لقد بدأ هذا الأمر من قبل الثورة بسنين حينما حولتنا الحذاقة الضرورية في التهافت على التأثير حولتنا إلى ساسة، هناك قراء نهمين لا شك ولقد صادفت بعضهم بكامل الشغف والاستعداد للرقص مع الذهن المتشكك المريض بالنزق وسوء الفهم ومكاشفات الفنانين الكبار ضمن الهتك وتعرية الذات
.
يحبون مجلة نزوى والثقافة العالمية واخبار الأدب لكنهم قليل ولا يكفون حاجتنا للشعور بالتواجد في بلد يبحث أغلب قرائه عن تفسيرات للأحداث الآن . أيام كنا في مجلة "نوافذ" وصل قبيلي إلى مقر المجله يبحث عن كتاب تاريخي لا أذكر اسمه..

لقد جاء من خولان وأخرج بعض الأوراق النقدية التي تظهر ضيق حال الرجل من كونه قد لفها بعناية فائقه، وحينما وجد الكتاب وقلبه بين يديه كان كمن وجد كنزا بالفعل،لقد بدى واضحا كم انه مولع بالمعرفة بغيرما ادعاء، يتحدث كيف انه "يتقتل" استخدم المفردة بين القوسين لندرك الجهد الهائل الذي يبذله في سعيه للكتب.

هل أقول ان هذا القارئ لم يعد الا حالة فردية بينما يفترض ان يكون زمنا كاملا من الولع بالمؤلفات الضخمة وآخر الإصدارات؟ ربما .لقد منحنا ذلك القبيلي كتبا كثيرة وابقينا له نقوده .استحضرته الآن في حضور زمن لامسته عبر صداقات اناس لديهم مكتبات وحياة كاملة في المعرفة والسعي باستمرار للتواصل مع العالم من خلال اشارات المعرفة.

صادفت مؤخرا في مدينة إب صديقا من هذا النوع اسمه العزي الصنعاني رجل في السبعينات لم يجد تفسيرا لولعي بالاحداث السياسية والكتابة عنها وهو الذي بادلني ذات زمن كتب التراث والانثروبولوجيا من أول الشعر الجاهلي وانتهاء برواية ألام فيرتر.

رجل في قرية بالضاحية كان ذات يوم مغتربا في السعودية وانجز لنفسه وجودا معرفيا بالغ الرومانسية. يكاد يحفظ البردوني كله ويملك استخلاصات نابهة لجدل التاريخ المناطقي في اليمن وتأثير العناوين والأسماء الشهيرة على مصير علاقة اليمني الآن بفكرة الدولة وهو على كل يربط الكتابة بالأدب أولا واخيرا بما في ذلك كتابة التاريخ.

رجل يذكرك بعزلة الباحث عن الحقيقة . يعيش في قرية كهارب من دنيا الجلبة والغباء متحاشيا دخول القرية إلى مكتبته بما هي عليه من عمق ورؤية تناقض السذاجة وترهات الحياة. باع هذا الرجل أرضا لشراء ثمانية عناوين صدرت كمجلدات من نوع قصة الحضارة.

يمكن لأحدنا العيش على عاتق شغف هذا المثقف واستعداده لشراء أي جهد معرفي قد تبذله... ولو حظينا بفكرة القارئ المحاور النهم لوجد أحدنا عالمه الممكن برفقة العلم عوضا عن رفقة العسكر والحزبيين..

زر الذهاب إلى الأعلى