[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الفترة الانتقالية اليمنية والحرب المحتملة

عندما يلتقي أي يمني بخبراء أميركيين في الشأن اليمني يصعب عليه تقييم مدى الفهم الأميركي لليمن؛ لأن مستويات الخبراء تتفاوت بنسبة كبيرة، فهناك من يعرف تفاصيل التفاصيل في الشأن اليمني، ويفاجئك بأسئلة لا يمكن أن تتوقعها أبداً من قبيل: "ما هو تفسيرك لارتفاع أسعار القات في محافظة أبين عقب عودة القيادي الجنوبي محمد علي أحمد؟".

فلا تجد أية إجابة لسؤال لم تتوقعه أبداً، وهناك من يسألك عن "قبيلة الحوثي" هل هي قبيلة شيعية أم سنية؟ فتصعقك المفاجأة؛ لأن السائل يعتبر الحوثي قبيلة، وفي ذات الوقت يعتبر نفسه خبيراً في الشأن اليمني، ويبدو أن مثل هؤلاء الخبراء هم الذين يقدمون الاستشارات لصناع القرار من أمثال جيفري فلتمان - مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى - الذي تطوّع بتصريح غير ضروري، يسيء إلى أمريكا أكثر مما يفيدها عندما قال: إن علي عبدالله صالح لن يكون مواطناً عادياً؛ لأنه رئيس سابق.

هذا التصريح دفع المواطن اليمني خالد منصور أن يتساءل في صفحته على الفيس بوك هل الرئيس السابق في أمريكا يغلق أكبر مساحة في واشنطن بالأمن المركزي والحرس الجمهوري من أجل الاحتفال بعيد ميلاده؟.

هناك بالفعل في أمريكا من يمتلك المعلومات الصحيحة والمفصلة، ولكنه لا يملك القدرة على فهمها وتحليلها، في حين أن هناك أصحاب خبرة كبيرة في التحليل والتفسير، ولكن خلفيتهم عن اليمن أو معرفتهم باللغة العربية ودهاليز السياسة اليمنية محدودة، بالمقارنة مع خبرتهم في الشأن الروسي أو الصيني أو الكوري على سبيل المثال.

تأملت في هذه المفارقات أثناء مشاركتي طوال اليومين الماضيين في مؤتمر عن الربيع العربي في الجامعة الأميركية بواشنطن بدعوة من مركز بناء وتطوير السلام؛ حيث قدمت ورقة عن المسار السلمي للحراك الثوري المرتقب خلال الفترة الانتقالية من أجل استكمال أهداف الثورة اليمنية، في حين شاركت الزميلة رنا جرهوم - القيادية في المركز اليمني للعدالة الانتقالية - بورقة أخرى تضمنت عرضًا شاملاً لقصة الثورة اليمنية منذ بداياتها حتى الوصول إلى الفترة الانتقالية.

ورغم أن الأسئلة التي طرحها الحاضرون كانت مفيدة جداً، وأتاحت للزميلة رنا ولي فرصة تسليط الضوء على الثورة اليمنية الشبابية السلمية من كل جوانبها، إلا أن النقاشات الجانبية التي دارت على هامش المؤتمر أثناء الاستراحات أو خلال تناول وجبات الطعام مع خبراء في الشأن اليمني كانت أكثر أهمية، وأثارت فضولي لمعرفة المزيد عن الزوايا التي ينظر من خلالها بعض المحللين المحايدين غير المنخرطين في العمل السياسي، لما يدور في اليمن.

ومن الصعب أن أتذكر جميع الآراء والنقاط أو التساؤلات التي سمعتها عن الحالة اليمنية، ولكن بالعودة إلى دفتر ملاحظاتي وجدت أني دونت النقاط التالية:

- أحد المحللين يتابع الشأن اليمني منذ إعلان الوحدة اليمنية، أبدى قلقاً من أن الفترة الانتقالية الحالية القائمة على تقاسم السلطة قد تنتهي كما انتهت إليه الفترة الانتقالية الأولى بعد الوحدة اليمنية، أي الحرب من أجل حسم مسألة التقاسم.

وشدني ما لاحظه من أن الفترة الانتقالية الأولى اتسمت بانقسام الجيش، كما هو الحال في الفترة الانتقالية الحالية وإن اختلفت أطراف الانقسام.

ويعتقد المحلل ذاته أننا نتجه نحو الحسم العسكري الذي هو غير مستبعد رغم الفيتو الدولي والإقليمي على أطراف النزاع بعدم اللجوء لهذا الخيار، ولكن الفيتو الدولي لم يفلح عام 1994 في منع حرب تصفية الجيش الجنوبي.

- يزعم متحدث آخر أن الولايات المتحدة أوقفت كل أشكال الدعم المادي والتدريب لقوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي منذ توقف مشاركة هذه الوحدات في الحرب ضد القاعدة وانشغالها بالحرب ضد الشعب داخل العاصمة، ولكن هذا الزعم يتناقض مع تأكيد مصدر يمني بأن أحمد علي عبدالله صالح يستلم مليوني دولار شهرياً من مكتب التعاون الأمني بالسفارة الأميريكية كجزء من مخصصات مكافحة الإرهاب ودعم القوات الخاصة.

ومنذ أكثر من سنة لم يشاهد في أبين جندي واحد من القوات الخاصة بما في ذلك الثلاثة الألوية المشاة جبلية التي أشرف مكتب التعاون الأمني على تدريبها، فأين هي مصداقية إدارة أوباما هنا؟ لماذا لا توقف هذه المبالغ وهي تعلم بأنها تعود إلى واشنطن مرة أخرى على شكل دفعات لجماعات الضغط ومكاتب العلاقات العامة التي تؤدي مهام خاصة؟.

- مشارك أميركي في المؤتمر سألني عن مدى صحة استقبال شقيق الرئيس هادي للقيادي الجنوبي العائد من المنفى محمد علي أحمد، وهل لذلك أية دلالة سياسية؟ فأجبته بأن شقيق الرئيس التقاه بالفعل، وكذلك اللواء سالم قطن! وليس من المستبعد أن تكون عودته متفقاً عليها مع الرئيس هادي؛ للمساهمة في حشد القوى الجنوبية خلف الرئيس، وتولي بعض الملفات الصعبة بحكم مكانته في محافظة أبين.

علماً بأن القبائل بدأت تتوافد إلى منزله للترحيب به وتأييده من كل مناطق الجنوب! ومن ناحية قبلية وأخلاقية لا يمكن لمحمد علي أحمد أن يمارس أي عمل من شأنه الإضرار بسلطة ابن الجنوب عبدربه منصور.

وللعلم إنني بسبب كثرة الأخبار المتضاربة القادمة من اليمن لم أصدق خبر عودة محمد علي أحمد إلا بعد أن أكده لي الزميل الصحفي والسياسي النبيه علي منصور الذي تحدث إلى القائد العسكري سالم قطن عن المفارقة التاريخية بأن محمد علي أحمد كان آخر المحاربين من الرفاق ينسحب من معركة المطار عام 94م! واليوم يعود أولهم ومن نفس المطار.. وليس هذا فحسب بل إن الذين أخرجوه عام 94م هم الذين كانوا في مقدمة مستقبليه في 2012.

- نقطة إضافية تحدث عنها أحد المشاركين بأن تقاسم السلطة غالباً ما يؤدي إلى وجود حكومة غير متجانسة يعرقل فيها كل طرف نجاحات الطرف الآخر، وتنتهي الأمور إلى حرب لتصفية الأجواء، وإذا كانت السلطة لا تحتمل وجود طرفين غير متجانسين فيها فإن الأخطر من هذا أن البلاد لا تحتمل وجود جيشين متصارعين أو قيادتين عسكريتين متنافستين، وكان رأيي أن البقاء سيكون لمن يقف إلى جانب الشرعية، أما الطرف الآخر فإنه سيتحول إلى متمرد على الشرعية ولن يقوى على الصمود.

- خبير آخر يعتقد أن اليمن قد يتعرض لحرب أهلية قصيرة من أجل حسم الصراع بين الشرعية والتمرد، ولكن لن يكون هناك انقسام على أساس شمالي جنوبي، وإنما هناك مؤشرات لانقسام الجنوب اليمني ذاته بين الرئيس المنتخب عبدربه منصور هادي والرئيس السابق علي عبدالله صالح. ورغم أنه لا يوجد أي عاقل في الجنوب يمكن أن يغرم بالرئيس اليمني السابق، إلا أن هناك كثيراً من المجانين تتفق مصالحهم مع أجندة صالح الثأرية، وليس هناك أحد في اليمن خدم علي عبدالله صالح مثلما خدمه ويخدمه علي سالم البيض، بغض النظر عن كراهيتهما لبعضهما.

وفي تقديري الشخصي أن محمد علي أحمد وكل رجال الجنوب الأحرار في الداخل والخارج هم الذين يعوّل عليهم في حشد قوى الجنوب ضد تمدد الإرهاب وضد مؤامرة إسقاط الجنوب بيد القاعدة، وهي المؤامرة التي يقال: إن الرئيس السابق يشارك في حبكها.

وعلى الصعيد السياسي بإمكان محمد علي أحمد ومن يؤازره في الداخل والخارج المساهمة في جمع شتات وفرقة الجنوبيين تحت مشروع موحد متزامن مع مناخات الحوار الوطني الذي سيتم هذه المرة تحت إشراف دولي، وهو مطلب جنوبي في الأساس لم يكن ليتحقق دون وجود عبدربه منصور هادي على رأس الدولة اليمنية.

زر الذهاب إلى الأعلى