[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

خذ مطارك معك

اخترع العرب المحدثون المبدعون نوعا جديدا من التقسيم: بدل اقتسام الأرض والمال والحصص، يصار إلى اقتسام الموانئ الجوية والبرية والبحرية.

بدأ هذا النوع من الإبداع في لبنان: كل ميليشيا أقامت لنفسها مرفأ، وأغلق الجميع المطار. الآن يحدث العكس في اليمن: اللواء محمد صالح الأحمر، أخو الرئيس السابق، يبدأ بأخذ مطار العاصمة، احتجاجا على قرار إعفائه من موقعه في الأسرة العسكرية التي تتمثل بأبناء صالح وإخوته وأبناء عمومته ومن يلوذ بهم.

عندما قررت الحكومة اللبنانية نقل ضابط المطار عام 2008، بقي المطار مفتوحا لكن الطريق إليه أغلق بالسواتر الترابية. فكيف تجرؤ الحكومة على نقل ضابط صار المطار جزءا منه وصار هو جزءا منه؟! على رأي الشاعر أمين نخلة: «أحبك في القنوط وفي التمني / كأني منك صرتُ وصرتِ مني».

العربي في كل الديار مصاب بكارثتين: الكارثة نفسها، وأن عليه أن يتابعها؛ المحزنات من ورائكم والتلفزيونات من أمامكم. ضابط يهدد بقصف الطائرات المدنية في صنعاء لأن المطار من أملاكه الخاصة، وآخر يرفس الجثث المتمردة في حمص ثم يبحث عمن يمسح له حذاءه من الدماء المتآمرة.

يهوي النظام العربي آخذا معه شعوبه وبلدانه. أي مطلب بأي حق ليس فقط اعتداء عليه، بل خطر على وجوده. أي رأس مرفوع هو رأس مدفوع. لا يمكن إلا أن تكون المطالب بالحرية والكرامة والكفاية سوى مؤامرة كونية معادية للمجد القائم. قال لشعبه: أين النهر الصناعي؟ أين النفط؟ وكأنها من أملاك والده الراحل أبو منيار. وضع اسمه وأسماء أفراد عائلته على لائحة المحتاجين إلى الحد الأدنى من الدخل.

كم هو مرّ الاختيار بين الاستعمار والاستحمار. بين العبودية في بقاء النظام والخراب في ذهابه. ما هذا النوع من التسلط على مصائر البشر ومصير الدول؟ من منكم فقد مثلي الطاقة على احتمال عجز الأمة فليتحول إلى كاريكاتير مصر. لا يمكن لمصر أن تفقد عبقرية الضحك. رسم الطفل متمنعا عن مرافقة أمه، باكيا شاكيا: «لا أريد العضوية في أي لجنة دستورية». ورسم الطفل الآخر مزعقا في وجه أمه: «مش قلتلك مش عاوز رئاسة جمهورية»، ورسم الجمركي في المطار أمام حقيبة مفتوحة «يا هانم، إما جواز أميركي أو رئاسة جمهورية. ما يصحش بقا الاثنين». وعلي سالم في مقاله الأسبوعي «مصر عاوزه رئيس له رئيس». وفوضى رئاسات نتمنى أن تبقى ضاحكة وجميلة. ساخرة ومدنية. وكاريكاتير «الشروق» يقول عن ترشيح اللواء عمر سليمان: «ليه البديل ما دام الأصل لسه شغال؟». ونتمنى لمصر أن تظل تبتسم على الأقل. وألا تمنعها القوانين المقبلة من جمال البشاشة وعبقرية الكاريكاتير القادر على الإضحاك في أسوأ أيام العرب.

زر الذهاب إلى الأعلى