باختصار يمكن القول بمنتهى الثقة أن يوم الجمعة 6 إبريل الماضي كان يوم استفتاء آخر بالثقة على شخص الرئيس عبدربه منصور هادي، فبعد أن حصل على ثقة أكثر من ستة ونصف مليون مواطن في 21 فبراير الماضي
جاءت قراراته القوية بإجراء عدد من التغييرات في مؤسسة الجيش يوم 6 إبريل لتعزز تلك الثقة وتعيد التفاف ملايين اليمنيين حوله دعما ومساندة لتلك القرارات التي كرست موقعه كرئيس مناط به إنجاز تغيير سياسي حقيقي وإخراج البلاد من ضيق حكم الفرد والعائلة إلى سعة حكم المؤسسات والقانون... فمنذ انتخابه رئيسا للبلاد لم يحظ أي من قرارات الرئيس هادي بالتأييد الجماهيري الواسع كما حدث مع قراراته الصادرة بإجراء تلك التغييرات في الجيش إذ كان الجميع يترقبها ليرى إلى أي مدى يمكن أن يمضي الرئيس الجديد الذي أعطوه ثقتهم، فكان الرجل بالتأكيد عند حسن ظنهم، إذ أن نقل قائد القوات الجوية إلى مساعد لوزير الدفاع وتعيين قائد معروف بالكفاءة كقائد للواء الثالث حرس مدرع وتعيين قائد عسكري مقتدر ومحبوب من خارج قرية الرئيس السابق كقائد للمنطقة الشرقية على سبيل المثال كانت بمثابة ثورة جديدة كما جاءت أيضا في إطار تنفيذي باتجاه إنجاز خطوة فعلية أولى على طريق هيكلة الجيش وباتجاه إعادة تشكيل قيادات الجيش على أساس وطني خارج الأطر الضيقة.
أدرك اليمنيون أنهم كانوا على صواب عندما أعطوا الرئيس هادي ثقتهم المطلقة في انتخابات 21 فبراير الماضي فالرجل جاد في رؤيته لإعادة بناء الدولة اليمنية على أسس صحيحة، ومما زاد شعبيته وأكد جديته قيامه بإصدار توجيهات صارمة باعتقال كل العسكريين الذين ساهموا في حصار مطار صنعاء وتوقيف رحلاته - وهو ما يدخل في الأعراف الدولية كجريمة إرهاب مكتملة - وهو ما أعطى انطباعا بأنه يريد استعادة هيبة الدولة... ورغم التعنت الذي أبداه القادة العسكريون المقربون من الرئيس السابق في تنفيذ القرارات فمن الواضح أنه لا يوجد أمامهم سوى خيار واحد هو التنفيذ وأن أي ابتزاز سيمارسونه على الرئيس هادي سينعكس عليهم سلبا، فهادي يدرك أنهم لم يعودوا يمتلكون أي مشروعية لا دستورية ولا سياسية ولا شعبية ولا يحظون بأي نوع من أنواع الدعم الخارجي إقليميا كان أم دوليا وقد جاء موقف مجلس الوزراء السعودي والخارجية الأمريكية وسفراء الدول العشر الراعية لتنفيذ المبادرة مساندا بوضوح لا يقبل التأويل لقرارات الرئيس هادي وداعيا لسرعة تنفيذها ومحذرا من أي إعاقة يمكن اختلاقها أمام التنفيذ.
لقد أحيت قرارات الرئيس هادي روح الأمل عند شباب الثورة رغم أن هذه القرارات طالت بالتغيير كذلك عددا من القادة العسكريين الذين ساندوا الثورة السلمية كنوع من التوازن ومن باب الحيادية التي يريد الرئيس هادي تأكيدها في تعامله مع الوضع الدقيق والحساس في صفوف الجيش، ومع ذلك فقد تقبل شباب الثورة هذه القرارات بارتياح وأعلنوا تأييدهم الكامل لها وطالبوا باستكمالها في أقرب وقت من أجل البدء بالجانب الفني في عملية هيكلة الجيش والمتضمن إعادة تشكيله بشكل صحيح وإلغاء مسميات الوحدات العسكرية التي تأسست على الطريقة (الصدامية) لحماية حكم الفرد والعائلة وفي مقدمتها (الحرس الجمهوري)، وإعادة تشكيلها بشكل وطني صحيح وإخراجها وباقي المعسكرات الموجودة في العاصمة وبقية المدن منها حتى لا تظل شهية القادة العسكريين مفتوحة للانقلابات العسكرية... ومن يعرف وضع صنعاء والحصار الذي تعانيه فعليا من خلال أكثر من عشرة ألوية من الحرس الجمهوري ومئات الدبابات التابعة لها تحتل الجبال المحيطة بها لأدرك حجم الجناية التي تم ارتكابها بحق اليمن عموما والجيش الوطني خصوصا.
إن تمسك أفراد عائلة الرئيس السابق بمواقعهم القيادية في الجيش والأمن ورفضهم لأي تغييرات يجريها الرئيس هادي سواء لأشخاصهم أو التنقلات في إطار الوحدات التي يرأسونها سيؤكد أنهم لازالوا يضمرون سوء النوايا تجاه التغيير الذي حدث في البلد وتجاه أمنه واستقراره بل وتجاه الرئيس المنتخب وتجاه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية كما سيؤكد أنهم يعتبرون بالفعل أن هذه المؤسسات العسكرية والأمنية ملكية خاصة لهم بل وأن البلد كله يدخل في إطار أملاكهم الخاصة، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يُفهم بشكل آخر... وكما كان الرئيس صالح يقول عندما سئل عن سبب رفضه لتغيير أي منهم أن من حق كل رئيس أن يأتي بطاقمه وأن من حق من سيأتي بعده أن يأتي بطاقمه، وعلى ذلك فإن من حق الرئيس هادي هو أيضا أن يأتي بطاقمه، إذ من غير المنطقي أن تكون المعايير مزدوجة في حالة كهذه، وعلى الأقل فقد أثبتت التغييرات التي أجراها هادي مؤخرا أنه يريد إعادة تشكيل قيادة الجيش على أساس وطني إذ لم يكن أي من أقاربه من ضمن الذين تم تعيينهم بما في ذلك قائد الحرس الرئاسي الخاص.
الغريب في ردود الفعل التي حدثت باتجاه هذه التغييرات هو رد الفعل الذي صدر عن حزب المؤتمر الشعبي العام... فقد أبدى امتعاضه من القرارات وقال أنه لم يتم التشاور معه فيها رغم أنها صادرة عن رئيس الجمهورية الذي هو في نفس الوقت أمينه العام... وأهم من هذا أن التعيينات العسكرية ظلت حقا لرئيس الجمهورية لا يستشير عادة حولها الأحزاب السياسية باعتبار أن الانتماء الحزبي محرم أصلا على قادة وأفراد الجيش والأمن، كما أنه من المعروف أن الرئيس صالح لم يكن يستشير حزبه لا في التعيينات العسكرية ولا حتى في المدنية، ناهيك عن أن المؤتمر الشعبي العام يريد أن يعطي لنفسه حقا لا يتمتع به شركاؤه في الحكومة، لأن الرئيس هادي سيكون عليه في حال كهذا أن يستشير أحزاب اللقاء المشترك أيضا... واعتبر المراقبون أن هذا الموقف السياسي المضاد من حزب المؤتمر لقرارات الرئيس إنما يعبر عن فئة محدودة بداخله هي التي لازالت تربط استمرار تأثيرها السياسي باستمرار سيطرة عائلة صالح على الوحدات الأهم في الجيش والأمن، ورجح المراقبون أن صالح هو من حرض هذه الفئة في حزبه على الاعتراض بغرض تحويل قرارات الرئيس هادي إلى أزمة سياسية... إلا أن سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الذين التقوا بقيادة المؤتمر الأسبوع الماضي أخبروها صراحة أنهم يدعمون بقوة تلك القرارات وأنه ليس هناك في المبادرة أو آليتها ما يلزم الرئيس باستشارة أي طرف سياسي، الأمر الذي أجهض محاولات افتعال الأزمة، مما جعل الموقف يتحول إلى نوع من أنواع التمرد العسكري على الرئيس وهو تمرد لا يجد له أي سند شعبي أو خارجي، وسينتهي بتنفيذ القرارات عاجلا أم آجلا.