لعل معظمكم لازال يتذكر ذلك التسجيل المصور ، الذي ظهر مطلع العام 2010 م ، لأفراد يُعتقد أنهم من تنظيم القاعدة في محافظة أبين ، والذي تناقلته – حينها - وكالات الأنباء العربية والعالمية ، وتصدَّرته عناوين كبريات الصحف العالمية أيضاً ، ليحَوِّل الأنظار وبلمحة عين من صعدة والحرب على الحوثيين آنذاك ،
إلى أبين والحرب على القاعدة ، ثم نفاجأ بعدها - والعالم معنا - بقصة الشاب النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب ، الذي حاول تفجير الطائرة الأمريكية المتجهة من أمستردام إلى ديترويت شمال الولايات المتحدة ، والذي اتُهم بأنه تلقى التدريب في اليمن على يد تنظيم القاعدة ، وهو ما حدا بالرئيس الأمريكي أوباما – يومها- ووزيرة خارجيته كلينتون للمسارعة بإطلاق تلك التصريحات التي كان مفادها بأن اليمن صارت ملاذاً آمناً للإرهاب ، وأنَّ على العالم أن يقدم الدعم اللازم للحكومة اليمنية لمكافحته ، ثم أتت دعوة وزير الخارجية البريطاني حينها جولدن براون لعقد مؤتمر دولي حول اليمن في العاصمة البريطانية لندن نهاية شهر يناير من العام نفسه ، والذي رحبت به الحكومة اليمنية يومها ، لتضيف بعداً آخر لتدويل الصراع في اليمن .. هل لا زلتم تتذكرون معي كل تلك الأحداث ، أم أن ذاكرتنا - نحن الشعوب– قد باتت فعلاً مثقوبة .
دعونا نمعن النظر مجدداً في تلك الأحداث بعد مرور أكثر من عامين على ذلك المشهد المثير ونحاول ربطه بأحداث اليوم ، ذلك المشهد من الدراما "البلهاء" ذات الإخراج الرديء ، التي كان مهندسها رأس النظام السابق ولايزال إلى اليوم ، والتي كان يقوم بإعدادها وإخراجها مع "طغمة" قليلة من أولئكم "البُلهاء" الذين كانوا ولا زالوا يحيطون به حتى اللحظة ، وهم ذاتهم الذين كان قد اعتمد عليهم كلياً في صياغة المشهد الإعلامي "الدراماتيكي" المرافق لتلك الدراما الهزلية ، منذ ذلك الوقت وحتى اليوم ، أمثال اليماني والبركاني وأحمد الصوفي ، والمعروفون جميعهم - لدى كافة الأوساط اليمنية والشارع اليمني عموماً - بدهائهم الخارق للعادة في "الغباء السياسي" ، والذين لم يشوهوا سمعة اليمن وحسب - بظهورهم المتكرر على الفضائيات - وإنما أساءوا حتى لمنتجات عصائر البركاني واليماني .
إننا لو تمعنا بكل تفاصيل ذلك المشهد – أقصد مشهد اللعب بورقة القاعدة من طرف رأس النظام - الذي كان يَرتكب – حينها - أبشع جريمة في حق الوطن ، يوم أن كان يصوره للعالم على أنه وكرٌ للإرهاب ، وملاذ آمن للقاعدة "المزعومة" ، بغية تحقيق هدفين اثنين .. أولهما : التغطية على فشله الذريع – آنذاك - في إخماد نار الفتنة التي أشعل جذوتها بيديه في صعدة ، طوال ست حروب أكلت الأخضر واليابس ، كما أرهقت الوطن والمواطن معاً ، بل الأدهى من كل ذلك والأمَرّ أنها مهّدت الطريق لولاية الفقيه كي تتسلم صعدة على طبق من ذهب ، وليت شعري أهل ما زالت صعدة محافظة يمنية أم أنها قد باتت مدينة "قم" داخل التراب اليمني ، وهي – بالمناسبة "أعني الحوثية"- البذرة التي كان "صالح" قد منحها كل التسهيلات للتوسع طوال العقدين الماضيين – بوعي منه وإدراك أو بغير وعي لا فرق – لتكون ورقة سياسية - كان يظن أنها ستكون رابحة ضمن أوراقه الكثيرة - في مواجهة الإسلاميين عموماً ، وحزب الإصلاح تحديداً ، باعتباره الواجهة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن ، فإذا بالسحر ينقلب على الساحر ، وليقع هو في الحفرة التي كان قد حفرها بكلتا يديه ، أما السبب الثاني : فقد كان بغرض الابتزاز المادي للعالم الغربي عموماً ، من زاوية اللعب بورقة "القاعدة" ، وابتزاز دول الخليج بالورقة "الحوثية" ، وهما الورقتان اللتين أعتقد أنه قد نجح في استغلالهما إلى حد بعيد طوال العقد الماضي على الأقل.
ثم دعونا نحاول الربط بين كل تلك المشاهد وخطاباته المتكررة في خضم الثورة الشبابية ، والتي كان أشهرها ذاك الخطاب الذي ألقاه بمناسبة العيد الـ21 للوحدة اليمنية في العام الماضي ، أمام حشد من ضباط القوات المسلحة الموالين له ، والذي وصف فيه المبادرة الخليجية بأنها "عملية انقلابية" وأن رحيل النظام سيؤدي إلى تقسيم البلد ، كما وصف أحزاب اللقاء المشترك ب " أحزاب التآمر المشترك" ، وحول مستقبل البلاد في حال رحيله قال حرفياً – وبذات الخطاب - ما نصه "أهم شيء يهم أولئك هو رحيل رأس النظام ، في حين أنه إذا ما رحل النظام سيتقسم البلد إلى "مشيخيات" وسلطنات وأمامية ، ولا يهمهم ما ستؤول إليه البلاد، ولا يهمهم ماذا سيترتب على رحيل النظام ، وهم غير مدركين لمعنى رحيل النظام أنه رحيل للثورة والجمهورية والوحدة، وهذا ما يجب أن يعرفه القاصي والداني".
( وهنا وقبل الاسترسال في قراءة المقال أرجوا أن تضعوا ثلاثة خطوط تحت كلمة "مشيخيات" الواردة في نص الفندم أعلاه ، وهي بالتأكيد على غرار "يدسعون الشيوبا" و "لم أكن "أنتوي" الترشح ..." و "دار دار زنجة زنجة " و"الآن فهمتكم" ... ، وكلها ثقافة واحدة " الخبَّازة هي الخبَّازة والعجين هو العجين" ).
نعم .. يجب أن يعلم القاصي والداني .. بأن "صالح" اليوم ، ينفذ كل ما كان قد توعد به خصومه بالأمس .. يجب أن يعلم القاصي والداني أن أولئكم النفر، الذين يُسمون أنفسهم اليوم ب"جماعة انصار الشريعة" ، ما هم إلا جماعة أنصار "الشرعية" بالأمس "لحضرة الفندم" ، تلك الشرعية التي أصابت مسامعنا بالصمم من كثرة تكرارها طوال ثلاثة عقود أو تزيد من زهرات أعمارنا المسروقة .. نعم .. يجب أن يعلم القاصي والداني أن "حضرة الفندم" بالأمس ، قد أصبح اليوم هو "قداسة المُلاّ" ، وأن "الشرعية" قد باتت بفعل تطور المعطيات على واقع الأرض بعد ثورة الشباب هي "الشريعة" ، "هكذا "تُفصُول خاص" يتلاءم مع "قداسة الملا"، دون حياء من الله أو خجل من الناس ، أو حتى تأدباً مع قُدسية اللفظ ومدلوله .
يجب أن يعلم القاصي والداني أنه لا قاعدة في اليمن سوى قاعدة صالح ، نعم هناك بعض المتطرفين والمنحرفين فكرياً ونحن لا ننكر ذلك ، لكن يجب أن يكون معلوماً للجميع أنه حتى أسامة بن لادن نفسه أو الظواهري مثلا – وهم المحسوبون قادة لهذا الفكر" المتطرف" - لم يكونوا أبداً يطلقون على أنفسهم بأنهم "تنظيم القاعدة" ، هم كانوا وما زالوا يطلقون على أنفسهم مصطلح "المجاهدين" ، بينما مصطلح "تنظيم القاعدة" – أقول مصطلح وليس فكر- ، ما هو إلاّ كذبة كبرى على الشعوب ، بدأتها الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011، لتبرر غزوها لأفغانستان ومن بعده احتلالها للعراق آنذاك ، تحت مسمى "الحرب على الإرهاب" ، ذاك الإرهاب الذي لم يتفق العالم على تعريف واضح له حتى اليوم ، ماعدا في عالمنا العربي ، فقد أصبح هو اللفظ "الفضفاض" والمصطلح "المطاط" الذي أثار إعجاب واندهاش تلك الدُمى المتحركة من "قوَّادي" أمتنا ، المحسوبين علينا رؤساء وقادة ، والذين كانوا قد هبطوا فجأة علينا في غفلة من التاريخ الرديء لأمتنا، كما أنهم قد اتفقوا جميعاً – ولأول مرة في حياتهم - على تعريف بسيط للإرهاب ، يسهل حفظه حتى للطفل الصغير ، وهو: " أنت معارض للنظام .. إذاً أنت إرهابي".