آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

هل حان وقت زوال القاعدة في اليمن؟

برغم إمكانيات اليمن الاقتصادية المحدودة وبناه التحتية البسيطة؛ إلا أنه يبهرك بكفاءاته البشرية عالية التطور ومتناهية الرقي. وبقدر ما أبهرنا الشعب اليمني العظيم، بثورته السلمية الصبورة المتسامحة الراقية، على رغم توفر السلاح وتوزعه بين الناس، بقدر ما أحزننا الفلتان الأمني فيه. اليمن معادلة معقدة، بقدر ما تعتقد بأنك تفهمها وتمسك بخيوط تجاذباتها الداخلية والخارجية، بقدر ما تكتشف أنه يخفى عليك منها الكثير.

اليمن هو خزان الإنسان العربي القديم الذي تدفق منه لينتشر ويعمر ما هو معروف الآن بالوطن العربي الكبير. أول الحضارات العربية شيدت وسادت هناك في اليمن، وكان بحق مهدا للعرب والعروبة وحصنها الأمين. القبائل العربية اليمنية هي من أول من حمل لواء رسالة العرب والعروبة للعالم أجمع وهو الإسلام، حيث ساهمت بكل إخلاص وأمانة بنشره والحفاظ عليه بأي مكان تنصب راية عزتها فيه. إذاً فالإنسان اليمني دوماً كان حاضرا وفاعلا عبر تاريخه مع محيطه العربي، سواء جلس في اليمن أو خرج منه، مهما حسبنا غير ذلك.

فمهما حاولنا الابتعاد عن اليمن، يأتي إلينا اليمن حاضراً بيننا رغما عنا، ومهما حاول اليمن الابتعاد عنا نأتي إليه حاضرين رغما عنا. فكلما كان اليمن سعيداً سعدنا بسعادته وكلما كان شقياً شقينا بشقائه؛ وهذا ما يسمى وبحق بالمصير المشترك، بكل ما تحمله كلمة المصير المشترك من معان وتداعيات. فكما صدر ووزع اليمن علينا حضارته الأولى وحكمته الأولى وإنسانه العربي الأول، صدر لنا كذلك سعادته الأولى وتعاسته التالية.

الدولة العربية الأولى "دولة سبأ" ظهرت في اليمن في أقصى تجلياتها المدنية والحضارية، عندما حكمتها بلقيس يساعدها في إدارتها برلمان يتمتع أعضاؤه بالحكمة والعلم والتجربة والدراية. وذلك عندما كانت مقومات الدولة متوفرة باليمن، نتيجة مشاريع زراعية وتجارية تغطي بخيراتها الدولة ومحيطها الإقليمي. إذاً فالإنسان اليمني آخر من يساءل في قدرته على إدارة الدولة المدنية الراشدة، عندما تتوفر لدولته مصادرها الطبيعية والتجارية.

وعندما تزعزعت موارد الدولة العربية اليمنية الأولى بفعل فواجع كارثية طبيعية؛ ضعفت سيطرتها على نفسها، وأصبحت نهباً للأطماع والصراعات الخارجية، من أحباش وفرس وروم؛ كل منهم يريد السيطرة على موقعها الحيوي الاستراتيجي من جهة ومن جهة أخرى استغلال إمكانيات وقدرات شعبها المتحضر والمتمدن حينها. وكان من الطبيعي أن تتنافس القوى الدولية والإقليمية في السيطرة على اليمن أرضاً وشعباً؛ لغياب العمق العربي أو انعدامه آنذاك وانفراد اليمن وحدها، لمواجهة مصيرها بنفسها.

ولذلك تقوقعت اليمن على نفسها، وأخذت تدير نفسها بإمكانياتها المحدودة المتوفرة لها. فكانت القبيلة اليمنية هي البديل الطبيعي لغياب الدولة القوية الفاعلة وذلك بأن أخذت كل قبيلة تدير محيطها الجغرافي وتحافظ على حياة أفرادها وتحسن من شروط معيشتهم بقدر المتاح لها. وهكذا حلت القبيلة في اليمن، مكان الدولة، لا بديلا عنها ولكن مكملة لما ينقص منها، بسبب ضعف إمكانيات الدولة وعليه محدودية حركتها. إذاً فالقبيلة اليمنية، تعمل كمكمل لمؤسسات الدولة وليست كبديل عنها، ومن ناحية أخرى، كصمام أمان للمجتمع اليمني بشكل عام وذلك بحفظ توازنات القوى داخله. إذاً فالطبيعة السياسية والاجتماعية اليمنية، تتحرك ضمن التوازنات، وسياسة اللاغالب واللامغلوب وشبه غياب لسياسة الانتقام وإنما ترميم الجروح عند الجميع بعد كل معركة. إنها البراجماتية اليمنية أو ما كان يسمى قبل ذلك بالحكمة اليمنية. وهذا سر صبر ونجاح الثورة اليمنية وعدم دمويتها، خاصة في ظل عدم وجود التدخلات الخارجية المباشرة. إن المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية والتي دعمت من قبل الأمم المتحدة، تكللت بالنجاح، لكونها الأقرب فهماً للطبيعة السياسية والاجتماعية اليمنية من غيرها.

إن استغلال الفوضى وتوفر السلاح والذخيرة بأنواعها وأحجامها، الذي صاحب الثورة اليمنية الحديثة وحتى من قبلها حرب محاولة الانفصال بين الجنوب والشمال، قد أغرت بعض الجماعات الدينية المتطرفة، ومنها القاعدة، بالانتقال إلى اليمن استغلالاً لظروف الانفلات الأمني فيه وتصارع بعض القوى ذات الأجندات الضيقة الآنية، وطبيعة تضاريس البلد الجبلية الوعرة والمحصنة. وأخذت تعبث فيه، لمدة عقدين من الزمن من دون رادع يذكر. ولكن غلمان القاعدة أغبى من أن يستوعبوا ماذا تعني الحكمة اليمنية، وظنوا أنهم قاعدون باليمن، إلى أن يؤسسوا إمارتهم الإسلامية المزعومة هناك، وهذا أبعد عنهم من الجنة التي عبثاً ينتظرونها من جراء قتلهم وتفجيرهم وترويعهم للآمنين.

عندما أخذت بوادر الحل السلمي تلوح في أفق اليمن الجميل واستبشر بذلك أهلنا هناك، كان أول شيء فعلوه، هو مطاردة فلول تنظيم القاعدة البغيض إليهم والغريب عنهم، كغربة أبرهة الحبشي عنهم، والمناقض لإيمانهم وحكمتهم اليمنية. وأخذوا يطاردونهم من كهف لآخر ومن جحر لآخر، لنفيهم من أرض اليمن الطيبة، كما ينفي الطيب الخبيث. وأخذت قوات الجيش اليمني تساعدها وتعاضدها جنبأ إلى جنب قوات خاصة من شباب القبائل في دحرهم ومطاردة فلولهم الفارة من مطرقة الجيش وسندان القبيلة. وكما ذكرت أعلاه أن القبيلة اليمنية، عامل مكمل لمؤسسات الدولة لا نقيض لها. وهذا ما فعلته كذلك قبائلنا العربية في العراق في مساعدة الجيش في مطاردة فلول القاعدة هناك، عن طريق ما عرف ب"قوات الصحوات".

إن الصدمة الكبيرة التي أحدثتها هجمات الجيش اليمني وشباب القبائل على فلول تنظيم القاعدة أربكتهم وأظهرتهم على حقيقتهم البغيضة وهي خطف الأبرياء والمساومة عليهم، أو التمترس بالأبرياء من أجل حماية صدروهم المليئة بكل حقد وضغينة على كل ما هو بريء وطاهر. إن خطف أفراد من القاعدة، الأسبوع الفائت، نائب القنصل السعودي في عدن السيد عبدالله الخالدي وهو خارج من بيته، لهو دليل على ضعف وتخبط تنظيم القاعدة وترنحه تحت ضربات الجيش اليمني وشباب القبائل. وإن عملهم المشين هذا، ليدل على قرب نهايتهم في اليمن؛ حيث الشعب اليمني النبيل لن يسمح بأن يعتدى على دبلوماسي شهم، مثل السيد الخالدي، الذي يعمل ليل نهار، لتسهيل أمور ومهمات أهلنا في عدن وجنوب اليمن، الذين لهم مصالح وارتباطات عائلية وتجارية وعملية وحتى صحية مع المملكة. والسيد الخالدي هو ليس في ضيافة وحماية الحكومة اليمنية الشقيقة فحسب؛ ولكن أيضاً في حماية أهلنا وقبائلنا في اليمن، حيث سمعة الدولة اليمنية هي جزء من سمعة قبائلها وسمعة قبائلها هي كذلك جزء من سمعة دولتها.

والدبلوماسي هو بمثابة الرسول، ومن عادات العرب وشيمهم، حتى أيام جاهليتهم، هو عدم التعرض للرسل، حتى ولو كانوا يكرهون ما يحملون لهم هؤلاء الرسل، ناهيك عن أن يكون الرسول بمقام السيد الشهم النبيل عبدالله الخالدي، الذي يحمل كل خير للشعب اليمني ويسعى لتذليل العقبات التي تحول بينهم وبين التواصل مع شعبهم السعودي الشقيق. ولكن هذه هي القاعدة التي دوماً تصدمنا بجرائم كان العرب لا يتجرؤون على فعلها أيام جاهليتهم الأولى، ناهيك عن يوم كرمهم الله بالإسلام.

ولكن وكما تعودنا أن تصدمنا القاعدة بأفعالها الإجرامية، سيبهرنا الشعب اليمني كعادته حكومة وقبائل، بالتصدي للقاعدة، وفك أسر السيد الخالدي وإرجاعه إلينا سالماً غانماً.

زر الذهاب إلى الأعلى