[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

انتهت مرحلة «الثورجية»

يدرك المتأمل في أبعاد اللحظة التي وصلنا إليها في اليمن أننا نحتاج إلى إعادة النظر في طرائق مواجهتنا للتحديات والمخاطر، إذ أن تراكم الأخطاء وصيرورتها كائناً عملاقاً، فرض على المجتمع نوعاً معيناً وطارئاً من المعالجات وهذا النوع يزيل فقط هذا التراكم لكنه لا يمنع تكوّن الخطأ من جديد.. لهذا نخرج من خوف إلى خوف، وتظل مكامن الشر قادرة على إنتاج المفاجآت غير السارة، بل وهدم المعبد على من فيه.

التصور المفاهيمي الخاطئ لدى بعض الأشخاص حول معايير الفوز والخسارة يدفعهم لممارسة نوع من الانتقام الذي يلحق الأذى بمحيطهم العام والخاص.. وهم بذلك يحصدون الخسارة من حيث أرادوا الفوز، والمؤسف حقاً أن وقتاً كبيراً يمر قبل أن يكتشفوا أنهم حصدوا عكس ما كانوا يأملون..

من هنا تبدو الحاجة ملحة للتدخل المباشر في البناء المفاهيمي لدى هؤلاء الأشخاص بحيث يتم إعادة توصيف الظواهر بشكل واقعي وموضوعي وإعطاء المكتسبات المعنوية حجمها الحقيقي وذلك حتى يتحاشى المجتمع الطاقة المكبوتة التي تسعى الآن لتفجير الأوضاع من جديد..

يجب أن يدرك هؤلاء أن القوة الحقيقية تتمثل في فضيلة الاعتراف بالخطأ الموجب لتقبّل الخسارة.. والقلب الذي لديه مثل هذه القوة، هو الوحيد القادر على العودة من جديد إلى مضمار المنافسة مهما كانت أخطاؤه وخساراته السابقة.. أما الدماغ الأعمى الذي يصادم السنن الكونية ويرفض الاعتراف بالخطأ أو تحمل تبعاته ويريد أن يقطف العنب من غرسةِ القتاد، فهذا دماغ يقود صاحبه إلى الخروج المخزي والنهائي من الحلبة ويجعل الآخرين يجتهدون في محاسبة أنفسهم حول الثغرة التي أتاحت لهذا الأعمى الدخول عبرها إلى الحلبة أصلاً.

في المقابل ينبغي على رواد التغيير أن يدركوا أن الوعاء القيمي الذي يغترف منه شخوص العهد السابق عنادهم، يتمثل أكثره في خوف المذمة (بمفهومها العشائري البسيط)، وبالتالي يجب ألا يسهم خطاب التغيير في إلحاق مذمة يتساوى في ظلها نتائج كل الخيارات لدى الطرف المودّع..

لقد دخل اليمنيون في أتون عامهم الثاني منذ أن خرجوا إلى الساحات مطالبين بالتغيير ولقد تم قطع مسافات كبيرة لم يكن أحد في اليمن يحلم بها قبل فبراير2011م. وباعتقادي أن مرحلة الناشط الحقوقي بجانبه "الثورجي" الذي أدى دوره بنجاح، شارفت على الانتهاء، ، وبدأت في المقابل مرحلة الناشط الاجتماعي والفكري الذي يتغلغل في صفوف الفئات المستهدفة ويساعدها على إعادة بناء المفاهيم بطريقة سليمة وينمي لديها مشاعر الاكتراث والمبالاة.. من هنا نكون حقاً بدأنا مرحلة التغيير بمفهومه الشامل والعميق، ذلك الذي نشعر بعده بالأمان الذي لا يداخله خوف، ونتمكن إثره من البناء الذي لا يتخلله هدم..

هذا التطور الضروري في مسيرة العمل التغييري في اليمن لا يُتشرط فيه تغيير الشخوص، داخل إطار التغيير، بقدر ما يتطلب تحديث المهام.. الأمر الذي يغدو معه ثائر الأمس، أستاذ اليوم وقدوة المستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى