سيحتفل اليمنيون هذا العام للمرة الأولى بعيدهم الوطني في ظل رئيس آخر غير الرئيس علي عبدالله صالح، إذ سيصادف العيد الثاني والعشرين لاستعادة وحدة البلاد وقيام الجمهورية اليمنية الثلاثاء القادم في ظل قيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي ينتمي لمحافظة أبين الجنوبية..
وهي أول مرة يحكم رئيس جنوبي اليمن كاملاً بما في ذلك المحافظات الشمالية التي لم يحكمها منذ مئات السنين قائد من خارج المناطق التي تنتمي للمذهب (الهادوي)، حتى ظن كثيرون أنها لا يمكن أن تقبل قائداً من خارجها لكن ما حدث أنها أسهمت بقوة في الثورة الشعبية السلمية ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي ينتمي إليها، وأقبلت للتصويت بكثافة بالغة في 21 فبراير الماضي للرئيس عبد ربه منصور هادي لتكسر بذلك الصورة النمطية التي ظن البعض أنها لا ولن تتغير وأثبتت بذلك عمق إيمانها بالوحدة اليمنية وقبل ذلك أنها تجاوزت أمراض العصبية المذهبية والمناطقية وأنها تبحث عن القائد الذي يمكن أن يمنحها الأمن والاستقرار ويقيم دولة القانون والمؤسسات أياً كان انتماؤه المذهبي أو الجغرافي.
سيكون الرئيس هادي أول رئيس جنوبي لليمن الواحد يلقي خطاباً عشية العيد الوطني، يكرس فيه من جديد قيم الوحدة ومعاني الأمن والاستقرار وينهي من خلاله وإلى الأبد المفاهيم التي حاول سلفه تكريسها في خطابه العام الماضي عشية العيد الواحد والعشرين والذي قال فيه إن اليمن سيتمزق من بعده وأن القاعدة ستستولي على خمس محافظات إن ترك السلطة، وغير ذلك من التصورات التي حاول أن يخوف بها الشعب اليمني في حال استمرار ثورته عليه...
واليوم يخوض الرئيس هادي حرباً شاملة ضد القاعدة ويعمل على استعادة الأمن والاستقرار فيما ستكون مهمته القادمة الأكثر أهمية هي استعادة روح الوحدة إلى نفوس أبناء شعبه وبالذات أبناء المحافظات الجنوبية التي أثرت عليها سلباً ممارسات النظام السابق وفساده وعبثه بالأرض وإدارته السيئة لشئون البلاد عامة والجنوب خاصة.
عندما نحاول أن نتأمل في قصة الوحدة اليمنية التي أصبحت اليوم – ولأول مرة – محل جدل ونقاش ومراجعة، سيكون علينا أن نحاول تلمس مواطن الجروح ومواضع الألم التي كادت أن تدمر هذه الوحدة الإنسانية والاجتماعية وتمزق النفوس وتشتت القلوب قبل أن تمزق الأرض وتشتت تماسكها الجغرافي...
ومع أننا لا يمكن أن ننكر الدور الوطني الكبير الذي قام به قائدا الشمال والجنوب السابقان علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض في استعادة وحدة الأرض في 22مايو 1990م إلا أنهما يتحملان كذلك مسئولية تدميرها... ففيما الثاني تبنى مشروع الانفصال عام 1993م والذي أدى إلى حرب صيف 1994م وعاد لتبنيه مجدداً منذ أربع سنوات من المنفى، فإن الأول ظل يدمر وحدة النفوس والقلوب بقصد وبدون قصد على امتداد ثمانية عشر عاماً ويهيئ اليمن كاملاً للتمزق من جديد دون وعي بخطورة ما يفعله...
ولم يكن على أصحاب الحقوق الضائعة من الذين يظنون أن مصلحتهم في الانفصال سوى استثمار تلك الإدارة السيئة والفاسدة لشئون البلاد عموماً والجنوب خصوصاً لإقناع الأجيال الجديدة بأن الوحدة هي السبب وليس تلك الإدارة... وكان الأولى بهؤلاء أن يقنعوا مواطنيهم بأن الوحدة بريئة من تلك الممارسات التي لا يمارسها إلا انفصالي حقيقي حتى وإن تدثر برداء الوحدة وزايد باسمها، وكانوا سيكسبون الجولة بالتأكيد لولا أن اليأس الذي ساد أبناء المحافظات الشمالية من إمكانية إحداث تغيير حقيقي هو ذاته الذي ساد أبناء المحافظات الجنوبية، فالجميع كان يعتقد أن إسقاط نظام الرئيس علي عبدالله صالح هو ضرب من المستحيل..
وزاد أبناء الجنوب يأساً أن حراكهم الشعبي السلمي الذي بدأ منذ عام 2005م لم يؤتِ ثماره بسرعة ولم يجد التفاعل المطلوب من إخوانهم في المحافظات الشمالية، ولم يكونوا يدركون أن عوامل الثورة الشعبية لم تكن قد نضجت بما يكفي لقيام حراك مماثل في الشمال ضد نظام صالح، حتى أسقطت ثورتا تونس ومصر طاغيتيهما في بدايات 2011م فانتعشت الآمال وانطلقت المحافظات الشمالية في ثورة شعبية عارمة كانت محل ترحيب ودهشة في ذات الوقت لدى المحافظات الجنوبية لتنطلق هذه الأخيرة وتحول حراكها إلى ثورة أعادت من الناحية الواقعية وحدة المشاعر والهدف لدى أبناء اليمن جميعاً دون استثناء، وهكذا تشكلت الساحات في معظم محافظات اليمن، وحظيت الثورة اليمنية بدعم إقليمي ودولي غير مسبوق لتنتهي بطي صفحة صالح.
يفترض أن يكون اليمنيون اليوم – في ظل قيادة الرئيس هادي – على موعد من جديد مع فجر متجدد لوحدتهم ودولتهم الفتية لاستعادة ألقها والشروع في بنائها نظاماً وقانوناً ومؤسسياً وتنموياً وخدمياً، وسيكون على الرئيس هادي وحكومته تقديم رؤى وتصورات لذلك، سيكون السياسي منها محل نقاش في مؤتمر الحوار الوطني، فيما سيكون التنموي والاقتصادي منها محل نقاش في مؤتمرات أصدقاء اليمن والمانحين...
إذ إن منطق العقل يحتم أن تمنح القضية الوحدوية فرصة جديدة في ظل الرئيس الجديد وحكومة الوفاق لتصحيح أخطاء النظام السابق وإعادة الحقوق لأصحابها وإعادة بناء مفاهيم العدالة الاجتماعية بصورة سوية والشروع الجاد في تجفيف منابع الفساد ومحاربته واستعادة هيبة الدولة شيئاً فشيئاً... وكل ذلك ممكن بالتأكيد، فكما نجح الشعب اليمني في إبطال الباطل وإسقاط النظام الفاسد سيكون قادراً على النجاح في إحقاق الحق وبناء النظام الجديد القائم على الدولة المدنية والعدل والمساواة والحريات العامة.