بعيدا عن الهجوم الذى تقوده تيارات مختلفة ضد جماعة الإخوان المسلمين واتهامها بالرغبة في السيطرة على مقاليد الحكم في البلاد والسير على نهج الحزب الوطنى المنحل في الاستيلاء على المؤسسات التشريعية والتنفيذية في مصر، بدءا من مجلسى الشعب والشورى ثم التنافس على رئاسة الجمهورية ومن ثم رئاسة الحكومة..
بعيدا عن كل هذا، فقد وقع الإخوان المسلمون في أخطاء كبيرة خلال الفترة الماضية كتب عنها مفكرون مخلصون مثل المستشار طارق البشرى وفهمى هويدى وغيرهم، هذه الأخطاء ظهرت بشكل واضح بعد نجاح الإخوان المسلمين في انتخابات مجلسى الشعب والشورى ثم ترسخت الأخطاء خلال وبعد الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية التى أفرزت لنا في النهاية مرشحين لا ثالث لهما وهما مرشح الإخوان الدكتور محمد مرسى ومرشح النظام السابق الفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد مبارك..
ورغم أن هذا الأمر كان يستدعى من الإخوان وقفة حاسمة يستجمعون فيها النسيج الوطنى المصرى ويعترفون فيها بأخطائهم ويقدمون التنازلات الكبرى لإنقاذ الوطن حتى لا تتكرر مأساة عام 1954 مرة أخرى حيث لعبت أخطاء الإخوان آنذاك دورا في القضاء على الحياة الديمقراطية التى تنعم فيها مصر وسيطر العسكر على السلطة ووضعوا الإخوان في السجون بعدما علقوا بعضهم على أعواد المشانق وأقاموا نظاما استبداديا قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير لإسقاطه..
لكن ذلك لم يحدث حتى الآن بشكل رسمى إلا أن رجلا من الإخوان المسلمين يملك الشجاعة هو مرشدهم السابق محمد مهدى عاكف الذى خرج على الملأ واعترف في حوار تليفزيونى أجرته معه قناة «العربية» يوم الأحد الماضى (27 مايو) بأن «الجماعة خسرت الكثير من قاعدتها الجماهيرية بحصول مرشحها على 5 ملايين صوت مقابل 10 ملايين حصلت عليها الجماعة في الانتخابات البرلمانية»، وانتقد عاكف الأداء الإعلامى للإخوان المسلمين قائلا: «يوجد فرق بين أسلوب إعلامى لجماعة تدافع عن نفسها وبين أسلوب إعلام ينوى قيادة الدولة أو صناعة وإدارة دولة سواء كان ذلك من الإخوان أو من حزب الحرية والعدالة وحتى مجلس الشعب»..
وهنا أود أن أذكر أننى حينما التقيت مع الدكتور محمد سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب وأجريت معه حوارا مطولا على حلقتين في برنامجى التليفزيونى «بلاحدود» في ذكرى مرور مائة يوم على عمل مجلس الشعب -وكان الحوار التليفزيونى الأول الذى يدلى به رئيس مجلس الشعب- فوجئت بالفعل بحجم الإنجازات التى يقوم بها المجلس والتى لا ينسب الفضل فيها للإخوان وحدهم وإنما لكل الأعضاء، لكنى لاحظت أن الإعلام المصرى لا يركز إلا على السلبيات والاقتراحات الشاذة لبعض الأعضاء..
والأطروحات الشاذة عادية في كل البرلمانات لكن المشكلة أن تصبح العلاقة سيئة أو غير جدية بين مجلس الشعب وبين الإعلام وأن يستخدم الإعلام هذه الأطروحات لتسفيه وتشويه الأداء، وهذا ما أشار إليه مهدى عاكف في انتقاده وهو باختصار شديد يقوم على أن الإخوان لم يخرجوا إعلاميا حتى الآن عن عقلية الجماعة المضطهدة الملاحقة ولم يلحقوا حتى الآن بإعلام الدولة المسئولة والجماعة التى تتصدر لأعلى المناصب، من ثم فإن إعلام الإخوان وعلاقة الإخوان بوسائل الإعلام والصحفيين والكتاب والمفكرين هى من أكبر أخطائهم، وهى بحاجة إلى عقول مفتوحة وقلوب رحبة تقبل الرأى الآخر وتستوعب الانتقاد دون أن تضعه في دائرة العداء والرجعية..
إن من يريد أن يتصدر لمصالح الناس عليه أن يتصدق بعرضه عليهم وعليه أن يقبل كل شىء منهم، وعليه أن يدرك أنه لا يحتكر الحقيقة أو الصواب إنما الجميع يجتهد الآن والحكمة ضالة المؤمن وليست حكرا عليه، لقد كان محمد مهدى عاكف متناسقا مع نفسه ومع فكره ومبادئه التى اعتنقها منذ ستين عاما وقضى عشرين عاما في السجون قناعة بها ودفاعا عنها وعاش تجربة الإخوان التى قادت لمأساة عام 1954 وهى التجرية التى لم يدرسها الإخوان على حقيقتها حتى لايكرروها مرة أخرى عام 2012 ولكن بوجوه أخرى وسيناريو جديد.