[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الاقتصاد الأخضر.. ماذا أبقينا للأجيال القادمة؟!

في ذكرى اليوم العالمي للبيئة، الخامس من حزيران/ يونيو، احتفل أمس الأول تحت شعار "الاقتصاد الأخضر" بهذه المناسبة الهامة التي يجهل أهميتها الكثير من سكان هذا الكوكب، خصوصا في دول العالم الثالث، بل إنه يجري التغافل عن هذا الحدث من قبل بعض رجال السياسة ورجال المال والعسكر، وذلك في مناكفة غبية تجاه الناشطين البيئيين وتحركاتهم التي تتقاطع مع مصالح وتوجهات أولئك.

وقد جاء هذا اليوم وليد صحوة تجلت في الخامس عشر من ديسمبر عام 1972م، حين صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبار الخامس من حزيران/ يونيو، من كل عام، يوما عالميا للبيئة، يتذكر فيه الجميع-شعوبا وحكومات- الأهمية الكبيرة للبساط الذي يعيشون عليه، وتدفعهم هذه التذكرة لسلوك التعامل الواعي والخلاق مع هذا البساط، بكل ما فيه من موارد، سواء تلك الموارد المتجددة أو غير القابلة للتجدد.

لقد أتى ذلك القرار، في ذلك التوقيت بالذات، على اعتبار أن الخامس من يونيو من عام 1972م، كان اليوم الأول لانعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية في مدينة استكهولم بمملكة السويد، وذلك كأول اجتماع عالمي بيئي، اعترف فيه المؤتمرون بالمشكلات البيئية المتزايدة التي يعاني منها الكون؛ كالتلوث، والاستنزاف الجائر للموارد، والتدمير الذي تتعرض له أنظمته الإيكولوجية، من خلال المناشط المختلفة لسكانه، التي تعاظمت مع النمو السكاني والتوسع العمراني المصاحب، وكذا التطورات التقنية المتعددة النواحي، والصراع المستمر على النفوذ والموارد، عبر وسائل الصراع التقليدية وغير التقليدية، مع انتشار العولمة الموجَّهة بأدواتها الفتاكة.

في الحقيقة، أن السؤال الذي يتردد بقوة، ويجب أن يستمر ترديده على ألسن المهتمين البيئيين في الشرق والجنوب الفقير ومن يتعاطف معهم في الشمال الغني، على هذا البساط أو هذه الكرة، ومنها المنطقة العربية ومثيلاتها، إزاء ذلك الاستنزاف المفرط للموارد، في ظل انعدام البدائل وفرص التعويض: ماذا أبقينا للأجيال القادمة؟!!

لعل السياسة الرعناء المتبعة من قبل حكام هذه الدول، هو دافع توارد وترداد هذا السؤال المثير لتلك المخاوف، كما أن حكام وساسة الدول النفطية، ودول الجنوب الأخرى التي تتمتع بثروات نفطية مماثلة وأخرى مستنزفة، هم المعنيون-ابتداء-بالإجابة على هذا السؤال، في ظل السياسات الخفية التي تدفع باتجاه زيادة الإنتاج النفطي فيها، مع بروز مؤشرات مقلقة في شأن تدني مخزونها الطبيعي من النفط، وكذا تدهور مواردها الطبيعية الأخرى، واحتمال تلاشي كل هذه الموارد خلال سنوات العقود القادمة.

كما أن الأمر المثير للقلق والاستغراب معا، أن أسعار النفط الحالية تجعل من الغرب هو المستفيد الوحيد من اجتناء هذه الموارد التي يدرك تماما الإدراك صعوبة تجددها، فضلا عن العبث والتبذير بدخول الدول العربية النفطية من العملات الصعبة التي يوفرها النفط وغيره من الموارد، وهي تنفق بسخاء في ملاهي الغرب، وفي شراء الأسلحة التي نقتل بها بعضنا بعضا، في حين يموت الكثير من شعوب هذه الدول جوعا ومرضا، ويعيش أبناؤها في مستويات متدنية من المعيشة؛ في بيوت الصفيح، وفي الخيام، وفي أكواخ القصب والنخيل!!

قد يتجلى في ذهن من يقف على هذه السطور، حالة من الوعي الحقيقي لذلك المآل الموحش للمستقبل الذي ينتظر سكان القرن القادم في هذه البلدان، وقد أكل حكام اليوم ثرواتهم لحما طريا، ورموهم عظاما بالية لنوائب ذلك الدهر، مثلما رموا بأجدادهم ممن عاصروهم، غير أن طرفا آخر قد يقول بتفاؤل حذر: إن القادم سيكون أجمل، وأن العلم ربما يوفر البديل المناسب.

مثل هذا الطرف يُعذر إذا لم يدرك قدر مستوى حالته مع ما يعيشه غيره في الدول المستهلكة لهذه الموارد في الغرب والدول المتقدمة الأخرى، وبالتالي، فإنه وهو كذلك، سيغيب عن تصوره مشهد: "الصحراء، والنخلة، والإنسان، والخيمة، والجمل" الذي سيعيد نفسه مرة أخرى هنا، وسيكون هو واقع إنسان القرن القادم في هذه المنطقة، على ذات الصفة التي يعيشها اليوم سكان الأدغال في أفريقيا مع وجود الرفاهية الكبيرة التي يعيشها سواهم في الشمال الغني، في ظل فوراق التقدم وسيطرة القوة!!

ومع ذلك كله، قلما نجد من يعي حقيقة هذه المخاطر، خاصة من قبل مجموعة الساسة الذين بأيديهم مصائر البلاد في هذه المنطقة، بل أن البعض منهم على صراع عنيف مع البيئيين الذين دائما ما يقفون لهم بالمرصاد، كما كان ذلك ساريا في الغرب في سنوات الصحوة البيئية الأولى، في ستينات القرن الماضي، أما العسكريون فإنهم أشد عداء لهؤلاء البيئيين، وهيهات أن يكون هنالك وفاق أو تقارب بين من ينشد البناء وبين من ينشد الخراب ولو كان الأمر دافعا ضد عاد!!

إن على الحكام والساسة والمفكرين والعسكريين ومن إليهم، الالتفات بجدية وإصرار والتحام رؤية إلى مشكلات البيئية القائمة والمتوقعة منها، التي قد تفتك بكيان العالم وموارده، والتي تبدو على ذات سبيل داء السرطان الذي يربض صامتا في جسم الإنسان، ثم لا يلبث أن يأخذ روحه بغتة، وحتما سيأتي اليوم الذي نُباغت فيه وقد التف الحبل على أعناق الجميع، ولات حين مناص!!

ماذا لو أردنا أن نختم هذا التطواف السريع بمقاربة بسيطة لما جرى في منطقتنا العربية خلال أكثر من عام مضى؟ سيكون لزاما علينا استحضار الحراك الشعبي والنخبوي الكبيرين خلال ذلك العام، في قضايا السياسة والسلطة والمال، وقد خلف ذلك التدافع والاصطراع الكثير من التداعيات السلبية المباشرة وغير المباشرة على بساطنا الذي نتنافس عليه أو نتقاتل للظفر به، ألا وهي البيئة في صورة هذا الوطن المنهك من تقاتل بنيه، عندئذ سنَسأل: هل أعطينا ذات القدر من الاهتمام بجوانب السياسة والسلطة والمال أو أقل من ذلك، في جواب البيئة ومشاكلها التي خلفتها تلك الأزمات والصراعات في هذه البلدان؟ حتما ستكون الإجابة باهتة وغير مقنعة.

من هنا، سيكون-أيضا-علينا مراجعة تلك المواقف بالمقارنة مع ما يتطلبه الجانب البيئي الذي يبدو هامشيا أو دعائيا في سلوكنا وممارساتنا، وأن يستشعر القائمون على هذا الجانب، أن القادم موحش بيئيا، ما لم يجرِ تفادي ذلك، فما هذه الأرض إلا عهدة بأيدنا ينبغي أن نسلمها لأبنائنا وهي على أحسن حال مما استلمنها ممن سبقونا، أو نذرها للقادمين كما هي دون عبث.

*باحث في شئون النزاعات المسلحة والبيئة

زر الذهاب إلى الأعلى