أرشيف الرأي

اليمن في قبضة الفساد المزمن

كيف يمكن أن يحدث التغيير في الوقت الذي تجد فيه نصف الحكومة في نهاية المطاف من النظام الفاسد القديم، التي تعمل تحت التدخل الوقح للرئيس السابق؟

كان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قائماً يشير بالتحية وهو يشاهد عرضا بمناسبة الذكرى الـ22 لإعادة توحيد اليمن في ايار صنعاء 22 مايو 2012. سار الجنود اليمنيون في موكب العيد الوطني الذي تابعه الرئيس من وراء درع زجاجي واق من الرصاص يوم الثلاثاء، بعد يوم واحد من هجوم انتحاري قتل أكثر من 90 من زملائهم في هجوم على بروفة.

النشوة التي عاشها اليمن في أعقاب عملية طويلة لاسقاط الديكتاتور المتوحش، جاءت وذهبت، ولكن ليحل محلها شعور اكتئاب عميق والارتباك حول ما ينتظر اليمن في المستقبل. وليست هناك حاجة، هنا، إلى إعادة النظر في واقع الأمر الذي اصبح واضحاً الآن أن مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي، التي قبلت على مضض من قبل علي عبد الله صالح، كانت جزءا من المشكلة، بدلا من تكون حلاً مناسباً.

ومع ذلك، فقد أصبح أكثر وضوحا منذ عقوبة السجن مدى الحياة التي صدرت في حق حسني مبارك وحبيب العادلي واستمرار احتجاز جمال وعلاء مبارك، في انتظار مزيد من الملاحقة القضائية. فقد وجد اليمن وسيلة لمحاكمة صالح والمقربين منه محليا أو إحالته إلى لاهاي، عاجلا وليس آجلا.

في حين أن الرئيس الجديد، عبد ربه منصور هادي، حاول قصقصة أجنحة أفراد أسرة الرئيس صالح، غير ان العملية تم تحديها في كل خطوة على الطريق، ولازالت سيطرتهم على السلطة باقية - مع التهديد المخيم أنهم قد يتمكنون، أي اليوم، من استعادة السلطة في نهاية المطاف بضربة واحدة. أو في انتخابات عام 2014، والتي قد يخوضها أحمد صالح، تماما كما يفعل أحمد شفيق في مصر. وكما هو الحال في مصر، فإن من المرجح أن يحصل على الملايين من الأصوات، مهما قد تبدو اليوم امراً غير وارد.

وفي الوقت الحاضر، فإن الطاعون الحقيقي في اليمن، والذي ينتشر أيضا في العديد من البلدان في آسيا وأفريقيا، لا يزال هو الفساد المزمن الذي يمس كل شخص وكل شيء في اليمن (..).. الامر الذي سيستغرق عقودا للبدء في عملية اقتلاعه حتى يتم ذلك.

وهذا هو البلد الذي يستطيع فيه المواطن العادي الحصول على رخصة قيادة، اوصندوق البريد، أو تأشيرة خروج، أو استمارة الطلب، أو القبول في الكلية من دون يمد برشوة لواحد أو أكثر. في كل مرة تشرب فيها كوب من الشاي في صنعاء، يمكنكم أن تتوقع أن جزء كبيراً من الريالات التي تدفعها كرشوة ستذهبت إلى شخص ما في سلسلة الرشوة التي تنتهي الطريق هناك في الأعلى، في المناصب العليا في الحكومة.

ومعظم الناس لا يفكرون في ان تكون وزارة الخارجية مرتعاً للفساد، وانا ايضاً لم اكن اتوقع ذلك. يتوقع المرء عادة أن يجد الفساد متفشيا في وزارات الصناعة أو التجارة أو النفط في مثل هذه البلدان. لكن ما نشر قبل ما يزيد عن أسبوع، في صحيفة حكومية تصدر باللغة العربية، وهي صحيفة "الجمهورية"، وفرت تفاصيل مروعة عن الفساد وسوء الإدارة على أعلى المستويات في تلك الوزارة من قبل شخص دق جرس الخطر.

كان من دق جرس الخطر (عبر الصحيفة) سفير اليمن السابق لدى اليابان مروان نعمان، نجل لرئيس الوزراء السابق الشهير في اليمن، وشقيق آخر سفير يمني بارز إلى كندا والهند واسبانيا. وهو دبلوماسي محترف لمدة 38 عاما حتى اضطر إلى تقديم استقالته احتجاجا على مذبحة 2011في "يوم الجمعة من الكرامة". "كيف يمكن ان أبرر للرأي العام الياباني انتهاك حقوق الانسان والقتل غير المبرر من اليمنيين الذين كانوا يريدون بكل بساطة للتعبير عن تطلعاتهم للتغيير من حياتهم البائسة؟ كان يجب عليّ اتخاذ موقف "

فضائح
في نفس اليوم، قام السفير اليمني لدى الأمم المتحدة الشيء نفسه. اتصل وزير الخارجية الدكتور أبو بكر القربي بالنعمان ليطلب منه سحب استقالته عارضاً عليه الانتقال إلى وظيفة السفير لدى للامم المتحدة، وهو الامر الذي لم يقبل به. في المقابلة وصف نعمان كيف سيطر على وزارة الخارجية من قبل الأجهزة الأمنية في البلاد وصالح الرئيس السابق شخصياً. ونتيجة لذلك، كان سفيرا في واشنطن لمدة 15 عاما وهو صهر صالح وعدد من أبناء وأحفاد صالح، وهم غير مؤهلين تماماً لهذه المناصب، ولايزالوا من العاملين في السفارة. وذكر أنه تم التحقيق وديعة من عدة ملايين من الدولارات في الحساب الشخصي لموظف الشؤون المالية، في مقر البعثة في نيويورك، من قبل السلطات الأمريكية.

وإحدى تلك الفضائح في المقابلة وجود تعليمات عليا (في إشارة إلى الرئيس) بدفع رواتب في الخارج لأفراد مقربين لا علاقة لهم بالعمل الدبلوماسي يعملون في السفارات اليمنية، وبالتالي سوء توجيه واستنزاف لمخصصات السفارة. واضاف ان "شبكة الفساد داخل وزارة الخارجية لا يمكن تصورها، وتم إدارتها المالية من قبل نفس شخصين على مدى السنوات الـ20 الماضية".

وفي حديثه عن الإصلاح قال انه وبعض السفراء الاخرين قدموا مقترحات مكتوبة من أجل الإصلاح إلى الوزارة، ولكن تم رفضها جميعا. وقد أدى الانفراد بالسلطة ، ورفض الاستماع إلى النصيحة إلى حالة من الشلل التام في الوزارة. في الواقع، عندما واجهت الوزارة الاستقالات متعددة من السفراء ارسلت نموذج اعتذار جاهز للتوقيع - في حال رغبوا في الاستمرار في تلقي رواتبهم، وهذا هو.

وكشف نعمان أيضا أنه منذ عام 2006، طلب اليمن لمدة 4 مليار دولار (Dh14.71 مليار دولار) من الجهات المانحة، في الوقت الذي تنتهي الامر بمبلغ 2 مليار دولار، وربما أكثر، من مبيعات النفط، بواسطة من لهم علاقات بالنظام، وتنتهي بها الحال في جيوب عدد قليل من الأفراد، الذين يمكن عدهم على أصابع يد اثنين.

وسئل نعمان مباشرة عن دور الدكتور القربي، وزير الخارجية. وأشار إلى أنه كان واضحا منذ البداية أن النظام كان يقود البلاد إلى الهاوية، وأنه يجري استخدام الوزارة لترسيخ صالح ونظامه، وان على الدكتور القربي تحمل عواقب القرار الذي اتخذها. واعترف بأننا نجد انفسنا امام لحظات حاسمة يجب علينا اتخاذ قرارات رئيسية في حياتنا، وخاصة إذا كنا نحمل مسؤوليات كبيرة. في اتهام واضح للوزارة، أضاف نعمان أنه منذ تشكيل حكومة ائتلافية جديدة وتولى الرئيس الجديد، لم يتغير شيء!

كيف يمكن ان يحدث التغيير، عندما يكون نصف الحكومة في نهاية المطاف ممن هم من النظام الفاسد القديم، التي تعمل تحت التدخل السافر من الرئيس السابق، وفي حين أن أفراد أسرته يتشبثون بمناصبهم الحساسة جدا؟ هذه هي المشكلة، وينبغي لها أن تتغير أولا؛ لأن التغيير، هو ما ضحى الشهداء في ساحة التغيير بشبابهم لاجله.

* الدكتور قيس غانم هو يمني متقاعد طبيب الأمراض العصبية، ومقدم برامج إذاعية، وشاعر وروائي. له روايتين هي "الرحلة الأخيرة من صنعاء" و"اثنين من الصبية من كلية عدن". وهو يعيش في كندا. وصديق قديم للوزير القربي.

* الموضوع نشر باللغة الانجليزية في "أخبار الخليج"

زر الذهاب إلى الأعلى