يتحدث الإعلام العالمي عن أن المشكلة في اليمن هي أزمة غذاء ليس إرهاب، تحدثت عن ذلك ال(سي ان ان) الأمريكية خصوصا، حيث نقلت عن منظمات إنسانية أن مشكلة اليمن الأساسية هي الغذاء في درجة أساسية وليس الإرهاب كما يصوره المجتمع الدولي والذي يدفع ملايين الدولارات للحكومة اليمنية ولقوات مكافحة الإرهاب مقابل محاربة القاعدة المتمركزة في جنوب اليمن.
وحسب وكالات المساعدات الدولية فاليمن على شفير أزمة غذاء كارثية. فهناك نحو 10 ملايين شخص، أو 44 بالمائة من السكان يذهبون إلى النوم كل ليلة وهم يتضورون جوعا، نتيجة لأزمة انعدام الأمن الغذائي الحالية، وفي بعض المناطق تقول بيني لورانس، مديرة أوكسفام الدولية: هناك واحد من كل ثلاثة أشخاص في الحديدة حيث نعمل، جميعهم يعانون من سوء التغذية، وهي نفس المعدلات التي توجد في الصومال.
ما قالته تلك المنظمات الدولية عن أن الفقر والغذاء أخطر من القاعدة، لا يخرج من دائرة الصدق في الوصف الصحيح للوضع اليمني، فمشكلة اليمن لا يمكن أن تصور على أساس أنها مشكلة إرهاب أو قاعدة فحسب، فالمشكلة الاقتصادية والتردي في الدخل اليومي للمواطن اليمني يزداد انخفاضا وترديا إلى مستويات منخفضة جدا، مما يدفع الكثير من الشباب العاطلين عن العمل إلى الهروب من الواقع المعاش السيئ إلى الجماعات والمنظمات الإرهابية كتنظيم القاعدة وجماعة الحوثي.
حتى الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهو يتحدث إلى وفد اللجنة الدولية الإنسانية، مطلع هذا الأسبوع، بدا مدركاً أكثر من أي وقت مضى بأن المشكلة الاقتصادية تمثل حوالي 75 بالمائة من التعقيدات، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الرسمية سبأ، معتبراً بأن الأزمة الأمنية والاقتصادية تبقى هي الأصعب وأن عدم إيجاد الحلول الناجعة لهما يجعل الأزمة السياسية قائمة.
إذن فاليمن لا يحتاج لكل تلك القوة العسكرية وتلك الإمكانيات الهائلة التي تدفع للجيش اليمني، ويقابلها قوة طائلة تدفع للمقاتلات الأمريكية المرابطة على البحر والطائرات بدون طيار بذريعة استهداف عناصر تنظيم القاعدة في محافظة أبين وشبوة وحضرموت والجوف.
لو أن الولايات المتحدة الأمريكية تلتفت إلى الحالات الإنسانية التي تمر بها اليمن، وحولت هذا الجهد وهذه الإمكانيات الطائلة في محاربة القاعدة إلى دعم اقتصاد البلد وتشغيل الأيادي العاملة وفتح الاستثمارات وتنمية الجوانب التعليمية والصحية لخف التواطؤ الشعبي مع القاعدة، وانصرف الناس إلى أعمالهم وأقواتهم من دون التفكير في الانضمام لجماعات قتالية كالقاعدة والحوثية.
قد تكون مسألة محاربة القاعدة مسألة ذات أولوية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، لكنها بالنسبة لليمن واليمنيين ليست كذلك على الإطلاق، لدينا ما هو أهم من محاربة تنظيم "القاعدة" أو حتى جماعة الحوثي الشيعية.
ما يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية لا يهمها مسألة تقدم الشعب اليمني أو تأخره في الجانب الاقتصادي أو التعليمي أو الصحي أو غيرها من المجالات، فقط ما يهمها هو أن تشغل الحكومة اليمنية بتفريغ كل طاقاتها في محاربة تنظيم القاعدة في أبين وما جاورها، ومسألة الشعب اليمني المتبقي الممتد من عدن إلى صنعاء ومن حضرموت إلى تعز مسألة أخرى ثانوية.
مؤتمر أصدقاء اليمن الذي عقد بالرياض الشهر الماضي، اجتمعت دول العالم فيه وجمعت مبلغاً زهيداً (750 مليون دولار)، ولولا أن الجارة السعودية تعهدت بثلاثة مليارات و250 مليون دولار، سعيا منها في مساعدة الحكومة لإدارة الفترة الانتقالية، لكانت صفعة مدوية لوجه كل يمني، إذ كيف تجتمع أكثر من 40 دولة عظمى، وتعجز عن دفع مليار دولار لصالح اليمن المنكوب.
نسبة الفقر ترتفع والفقر أحد أسباب الصراع في اليمن، ولذلك من المهم أن تكون مسألة تحسين دخل المواطن اليمني، وافتتاح المشاريع ذات الدخل الدائم التي تعتمد على نفسها في نفقاتها وتدعم بصافي أرباحها اقتصاد البلد، وتشغل في نفس الوقت أيادي عاملة عاطلة عن العمل.
بالمختصر، تبدو أزمة اليمن الأساسية هي الفقر وتردي الأوضاع الإنسانية والمعيشية نتيجة سوء إدارة موارد الدولة وعمليات النهب المنظم لثروات البلاد من قبل قلة قليلة من أصحاب النفوذ، وإذا لم تتجه الحكومة إلى معالجة هذه الأزمة بالتعاون مع المنظمات الإنسانية الدولية، فإن مشكلة الإرهاب والعنف ستزداد وتتسع دائرتها.
قاتلوا إن شئتم الفقر، قبل أن تقاتلوا القاعدة، وقد صدق الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين قال " لو كان الفقر رجلا لقتلته".